الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج همك، ويذهب غمك، ويبدلك مكانهما فرحا وفرجا ومخرجا.
واعلمي أن ما تعانين منه من وسوسة وسوء ظن بالله سبحانه إنما هو من كيد الشيطان لك ومكره بك ليزحزحك عن طريق الإيمان، ويسلك بك سبيل الغي والعصيان.
وهذه من عادة عدو الله أن يوقع أهل الإيمان في الوسواس خصوصا في أمر العبادة حتى تثقل عليهم الطاعات والعبادات، فينفضوا عنها ويتركوها جملة واحدة، وهذا واضح من قولك إنك قد أصبحت تكرهين وقت الصلاة لما تشعرين به من الضيق والحرج، وقد سبق لنا الفتاوى الكثيرة في الحديث عن أمر الوساوس كلها سواء في أمور العقيدة أو غيرها، وبينا أن أعظم علاج لها هو الدعاء والتضرع إلى من بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، ثم بالإعراض عن هذه الوساوس جملة واحدة، فإن الإعراض عنها علاج لها أيما علاج، كما أن الاسترسال معها بلاء ما بعده بلاء. وراجعي في ذلك الفتاوى رقم: 121943، 3086، 117004.
وأما هؤلاء القوم الذين آذوك وألحقوا بك الضرر، فإنا ننصحك ألا تشغلي نفسك بهم ولا بالدعاء عليهم، وإن كان الدعاء على الظالم مشروع بضوابطه. وقد بينا هذا كله في الفتاوى رقم: 115193، 22409، 10784
واعلمي أن العفو عن الظالم خلق جميل من أخلاق الرسول الكريم، فأين المشمرون المقتدون؟! سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين .
وأما بخصوص عدم استجابة الدعاء في خصوص ما تدعين به فنقول: لا تلازم بين عدم تحقق مطلوب الداعي وبين عدم قبول دعائه ، بل قد يستجيب الله الدعاء ويقبله ويعظم الأجر لصاحبه، ولكن لا يحقق له مطلوبه، وقد سبق لنا تفسير ذلك في الفتوى رقم: 117689، وأوضحنا هذا المعنى بكلام نفيس. وراجعي شروط إجابة الدعاء وآدابه في الفتوى رقم: 11571.
واعلمي أن من أعظم الآفات التي تعرض للداعي آفة التعجل في تحقق مطلوبه، وما يترتب عليها من الاستحسار وترك العمل، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا في مثل قوله: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم. وفي مثل قوله: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل". قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. رواه مسلم.
قال ابن القيم: ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله. انتهى.
ثم إنا ننبهك - أيتها السائلة - إلى أمرين:
الأول : أنه لم يرد نص في كون قراءة سورة البقرة بخصوصها من أسباب تفريج الهم، بل ورد في فضلها أن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه كما صح بذلك الحديث. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم.
الثاني: أن ضرب الخد غير جائز وهو من أخلاق أهل الجاهلية كما بيناه في الفتوى رقم: 21997.
وفي النهاية نوصيك بالمداومة على الرقية الشرعية المبينة في الفتويين رقم: 7151، 4310.
والله أعلم.