الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه لك الثبات على طريق الهدى وأن يهدي زوجك إلى صراطه المستقيم.
واعلمي-أيتها السائلة-أن رغبة زوجك في التمتع معك بكل متعة رآها فيما شاهده من أفلام ومسلسلات أمر غير مستقيم شرعا، فقد علم يقينا أنها تشتمل على كثير مما لا يجوز فعله ولو كان بين المرء وزوجته، ومعلوم من شرع الله بالضرورة أن المسلم لا يحل له أن يتمتع بما حرم الله عليه, ولا شك أن الموسيقى مما حرم الله سبحانه على ما بيناه في الفتوى رقم: 54316.
وأما قوله إنه يسمع ولا يستمع، وأن المحرم هو الاستماع، فهذا من تلبيس الشيطان عليه ليوقعه في الباطل ويسلبه مع ذلك الإحساس بالذنب، ولا فرق في الواقع بين السماع والاستماع , بل ما يقوله زوجك هذا إنما ينم عن جهله بألفاظ اللغة ومعانيها، فإنه ما دام قد قصد سماع الغناء فإنه يستمع شاء أم أبى.
جاء في كتاب الفروق اللغوية: يقال: استمع. لما كان بقصد، لأنه لا يكون إلا بالاصغاء وهو الميل، و سمع يكون بقصد، وبدونه. انتهى.
وأما مشاهدة أفلام الكرتون فقد بينا حكمها بالتفصيل في الفتوى رقم: 110537. وما أحيل عليه فيها من فتاوى.
وأما رقص الرجل مع زوجته حيث لا يراهما أجنبي فلا حرج فيه ما لم يشتمل على محرم من معازف ونحو ذلك.
هذا مع التنبيه على أنه لا ينبغي لك أن تستغرقي وقتك في فعل ما يبعدك عن الله ولو كان مباحا محضا, فإن الإكثار من المباحات يسبب فساد القلب وقسوته.
جاء في فتح الباري: ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القبارى عنه أنه كان يقول المكروه عقبة بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام، والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه، وهو منزع حسن ويؤيده رواية ابن حبان من طريق ذكر مسلم إسنادها ولم يسق لفظها فيها من الزيادة: اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه. والمعنى أن الحلال حيث يخشى أن يؤول فعله مطلقا إلى مكروه أو محرم ينبغي اجتنابه كالإكثار مثلا من الطيبات فإنه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق، أو يفضى إلى بطر النفس، وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان. انتهى.
وأما قوله إنه لن يشعر بإشباع إلا إذا جرب كل ما رآه فهذا ليس عذرا له في فعل الحرام، وهو كلام غير صحيح أصلا، فإن فيما أباحه الله لعباده غنية عن مواقعة الحرام, وإطلاق العنان للنفس هكذا لتستمتع بما تشاء هو طريق الخسران في الدارين, قال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ* وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى. {النازعات : 37 - 41}.
أما الإقامة في الفنادق التي تشتمل على المنكرات من شرب الخمور، وتبرج النساء فهي غير جائزة، كما بيناه في الفتوى رقم: 60165.
أما بخصوص البدائل المقترحة في هذا الشأن فلا يوجد شيء بعينه، ولكن يمكنكم أن تقوموا بما تشاءون من رحلات ترفيهية ونحوها في أماكن لا تنتشر فيها الفواحش أو المنكرات، ويمنكم أن تستمتعوا خلال هذا بما أباحه الله سبحانه من طعام وشراب، وسماع ونظر، وبكل ما يباح بين الزوجين, وما زال أهل الدين والتقوى يتزوجون ويتمتعون غاية التمتع في حدود ما أباحه الله دون أن يتعدوا حدوده أو ينتهكوا حرماته.
والذي ننصحك به هو أن تنصحي لزوجك وتأخذي بيده إلى الالتزام بالشرع، وتذكريه بحقيقة هذه الدنيا وأنها دار البوار وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من أراد المتعة الحقيقة واللذة الخالصة فليطلبها في الجنة وذلك لا يكون إلا بطاعة الله في الدنيا، ومجاهدة النفس على القيام بأوامره ونهيها عن الهوى.
ثم إنا ننصحك بأن تدلي زوجك على رفقة صالحة من أهل الخير والاستقامة ليلازمهم، ويتعاون معهم على البر والتقوى، فإن الصحبة الصالحة لها أثر عظيم في الاستقامة على أمر الله سبحانه، وليكن كل ذلك بحكمة منك ولين ورفق.
والله أعلم.