الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالزواج سنة من سنن النبيين والمرسلين، قال تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً {الرعد:38}، وفي الحديث المتفق عليه: لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني .
والنكاح تعتريه جميع أحكام الشرع حسب الحالة التي يكون فيها الشخص، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 3011
وعليه، فإذا كنت تخشين على نفسك الوقوع فيما حرم الله إن لم تتزوجي فحينئذ يصبح الزواج فرضا متحتما عليك لا يسعك تركه. قال ابن قدامة في المغني: والناس في النكاح على ثلاثة أضرب؛ منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح ، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح. انتهى.
وأما إن كنت لا تخشين من مثل هذا، ولكن تجدين من نفسك الشوق إلى النكاح فهو مستحب حينئذ. أما إن كنت في حالة مستقرة بحيث انتفت فيها الدواعي للنكاح أصلا، فهنا حصل خلاف بين العلماء في هذا، فمنهم من ذهب إلى استحبابه، ومنهم من ذهب إلى إباحته. والقول بالاستحباب هو الراجح. جاء في فتح الباري: قال عياض هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة؛ لقوله صلى الله عليه و سلم: فإني مكاثر بكم. ولظواهر الحض على النكاح والأمر به. انتهى.
فالذي ننصحك به هو المبادرة إلى الزواج، وإن لم يكن لديك الدواعي إليه نظرا لانتشار الفتن وعموم الفساد في هذا الزمان. ولست تدرين ما يعرض لك مستقبلا إن أنت عزفت عن الزواج وفاتك قطاره. فلربما انتقلت أمك إلى الدار الآخرة، ووجدت نفسك هكذا وحيدة فريدة لا أنيس ولا جليس، وهذا فيه من الضر والبلاء ما فيه.
وأما بخصوص ما تذكرين من حال أمك فإنه يمكنك أن تجمعي بين الحسنيين؛ فتبادري إلى الزواج مع مراعاة أمك والقيام ببرها ومصالحها قدر الوسع والطاقة، ومما يعينك على هذا أن تختاري زوجا صاحب خلق ودين، فهذا سيكون – بمشيئة الله – من أكبر العون لك على ما تريدين من البر بأمك والقيام بحقها.
وفي النهاية ننبهك على أنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من زيارة والديها ما لم يخش عليها ضررا من ذلك. وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 117262.
والله أعلم.