الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحكم فيما إذا كان على الزوج مساعدة زوجته في الأعمال المنزلية ينبني على اختلاف أهل العلم فيما إذا كان على الزوجة خدمة زوجها أم أن ذلك ليس عليها.
فقد اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة لزوجها، فالذين قالوا بعدم وجوب الخدمة على الزوجة، أوجبوا على الزوج أن يوفّر خادماً لزوجته إذا كانت ممن لا تخدم نفسها.
قال ابن قدامة الحنبلي: فإن كانت المرأة ممن لا تخدم نفسها لكونها من ذوي الأقدار أو مريضة وجب لها خادم. المغني.
وقال الشربيني الشافعي: ( وَ ) يَجِبُ ( عَلَيْهِ لِمَنْ ) أَيْ لِزَوْجَةٍ حُرَّةٍ ( لا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا ) بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا مَثَلا, لِكَوْنِهَا لا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا فِي عَادَةِ الْبَلَدِ كَمَنْ يَخْدُمُهَا أَهْلُهَا, أَوْ تُخْدَمُ بِأَمَةٍ, أَوْ بِحُرَّةٍ, أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. مغني المحتاج.
ثم اختلفوا هل يمكن أن يقوم الزوج بالخدمة بنفسه بدلاً من الخادم.
قال الخرشي المالكي: وَيَحْصُلُ إخْدَامُهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَمْلُوكَتِهِ، أَوْ يُنْفِقُ عَلَى خَادِمِهَا أَوْ يُكْرِي لَهَا خَادِمًا. شرح مختصر خليل للخرشي.
وقال ابن قدامة: وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: أَنَا أَخْدُمُك بِنَفْسِي . لَمْ يَلْزَمْهَا ; لأَنَّهَا تَحْتَشِمُهُ, وَفِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْهَا, لِكَوْنِ زَوْجِهَا خَادِمًا . وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ , أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الرِّضَى بِهِ ; لأَنَّ الْكِفَايَةَ تَحْصُلُ بِهِ. المغني.
وأمّا على القول بوجوب خدمة الزوجة لزوجها فلا يجب على الزوج شيء من الخدمة في البيت وهذا القول هو الراجح عندنا، وانظر الفتوى رقم: 13158.
وعلى كلّ حال، فلا شكّ أنّ إعانة الرجل زوجته في أعمال المنزل من إحسان العشرة ومن مكارم الأخلاق التي سنّها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاريّ في صحيحه قال: بَاب خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ - فيه : الأسْوَدِ : أنه سَأَل عَائِشَةَ، مَا كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِى الْبَيْتِ ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ ، فَإِذَا سَمِعَ الأذَانَ خَرَجَ .
قال المهلّب: هذا من فعله عليه السلام، على سبيل التواضع وليسنَّ لأمته ذلك، فمن السنة أن يمتهن الإنسان نفسه في بيته فيما يحتاج إليه من أمر دنياه وما يعينه على دينه. شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال.
وقال السندي: ففيه أن خدمة الدار وأهلها سنّة عباد الله الصالحين. حاشية السندي على صحيح البخارى.
وهذا الأمر كما أنّه من أسباب وجود المودة والرحمة بين الزوجين، فهو أيضاً ممّا يعين الإنسان على تطهير نفسه من الكبر والتجبّر وتعويدها على الرفق والتواضع، وذلك من أنفع الأخلاق التي يحبّها الله ويرفع قدر صاحبها، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ... وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ. رواه مسلم.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 69191.
والله أعلم.