الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نص العلماء على أن الإنسان مطالب بالتسوية بين أولاده في الهبة بدون محاباة وتفضيل لبعضهم على بعض دون مسوغ، لما روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا فقال: فأرجعه. وفي رواية: فلا تشهدني إذا، فإني لا أشهد على جور. وفي ثالثة: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. ولأن في التسوية بينهم تأليف قلوبهم، والتفضيل يزرع الكراهية والنفور بينهم فكانت التسوية أولى.
ولا يكره ذلك التفضيل -في المذاهب الأربعة- إذا كانت هناك حاجة تدعو إليه، مثل اختصاص أحد أولاده بمرض أو حاجة، أو كثرة عائلته، أو اشتغاله بالعلم ونحوه من الفضائل، أو اختصاص أحدهم بما يقتضي منع الهبة عنه لفسقه، أو يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها، فيمنع عنه الهبة ويعطيها لمن يستحقها.
ويكره عند غير الحنابلة إذا لم تكن هناك حاجة تدعو إلى ذلك. وقال الحنابلة: يحرم التفضيل حينئذ وتجب عليه التسوية إن فعل إما برد ما فضل به البعض، وإما بإتمام نصيب الآخر.
وقال الحنفية والمالكية والشافعية: لا يجب عليه التسوية، ويجوز التفضيل قضاءً، لأن الوالد تصرف في خالص ملكه لا حق لأحد فيه، إلا أنه يكون آثما فيما صنع بدون داع له، لأنه ليس بعدل وهو مأمور به في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ. {النحل: 90}. اهـ من الموسوعة الفقهية.
وقال ابن قدامة في المغني: إن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك، لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة. والعطية في معناه. اهـ.
وبهذا يتبين أن ما أعطاه السائل الكريم لابنته المريضة نفقة لعلاجها لا حرج فيه، وكذلك ما أعطاه لابنيه الذكور على وجه الإعانة أو المساعدة في نفقات يحتاجونها، أو تسكينهم في بيوت دون أخذ أجرة ونحو ذلك. وأما إعطاؤهم هذا المال المذكور في السؤال ليمتلكوا بها شققا فلا مسوغ له، وقد سبق أن بينا أن حاجة الأبناء المتزوجين للبيوت ليست مسوغا شرعيا يبيح للوالد أن يملكهم إياها، وبإمكانه سد حاجتهم إذا لم يكونوا قادرين على استئجار بيوت بدفع الأجرة عنهم، وأما تمليكها لهم فهذه هبة فإذا لم يعط البنات ما يقابلها ويتحقق به العدل فالهبة باطلة، وراجع في ذلك الفتويين: 121206، 60450.
ولمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 19673، 6242.
والله أعلم.