الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أيها السائل أنه بالرغم ما ذكرت من التفاوت الكبير بين حال أمك وزوجة أبيك، وقسوة الأولى معك وإحسان الثانية إليك، إلا أن أمك التي ولدتك أولى بالبر والصلة والإحسان من زوجة أبيك، بل ومن أبيك والناس أجمعين. وما قامت به من تفريط في حقك سواء في حال الصغر أو الكبر لا يسقط حقها عليك من البر والصلة، فهي أحق الناس بصحبتك على كل حال، قال الله تعالى : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا. {الأحقاف : 15 }.
وفي الصحيحين أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك. قال: ثم من ؟ قال : أمك. قال: ثم من ؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
هذا مع التنبيه على أن امتناع الأم عن إرضاع ابنها مسألة خلافية بين أهل العلم. وقد بينا هذا الخلاف في الفتوى رقم: 24739. وحتى إذا ذهبنا إلى القول بوجوب الإرضاع عليها فغاية الأمر أنها تكون آثمة بترك الواجب وتضييعها لحق ابنها عليها، وكل هذا لا يسوغ للابن الإساءة إلى أمه ولا تضييع حقها.
أما ما تطلبه منكم من مال فينظر فيه، فإن كانت محتاجة فإنه يجب عليكم أن تنفقوا عليها ما يسد حاجاتها وضرورياتها. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 70347. وبينا في الفتوى رقم: 20338 كيف تقسم نفقة الأم على أبنائها.
أما إن كانت غير محتاجة، فإنه لا يجب عليكم الإنفاق عليها، ولكن يندب ذلك تطييبا لخاطرها واستئلافا لقلبها.
ولكن إن علمتم يقينا أنها ستأخذ هذه الأموال لتستعملها في الربا فهنا يحرم عليكم أن تعطوها، لأن إعطاءكم لها حينئذ من باب التعاون على الإثم والعدوان وهو لا يجوز لقوله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. {المائدة:2}
أما طلب أمك منك أن تزورها فواجب إجابتها لذلك بالمعروف، ولا يجوز لك أن تكتفي بمجرد المحادثة الهاتفية؛ لأن هذا يعد جفاء لها خصوصا مع طلبها للزيارة، وكونها مرابية لا يسوغ لك ترك زيارتها، غاية الأمر أنه يجب عليك أن تجتنب من مالها ما تتيقن أو يغلب على ظنك أنه من عين الربا، كما بيناه في الفتوى رقم: 97757 وراجع حكم معاملة من يكتسب ماله من الحرام في الفتوى رقم: 6880.
والله أعلم.