الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بيّنا خلاف العلماء ومذاهبهم في الصفرة والكدرة مفصلة في الفتوى رقم: 117502، ورجحنا هناك مذهب الحنابلة وهو أن الصفرة والكدرة حيض في مدة العادة وليست حيضا فيما عداها، قال ابن قدامة رحمه الله: إذا رأت في أيام عادتها صفرة أو كدرة فهو حيض، وإن رأته بعد أيام حيضها لم يعتد به نص عليه أحمد، وبه قال يحيى الأنصاري وربيعة ومالك والثوري والأوزاعي وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وإسحق. اهـ
وعليه، فمتى رأيت الطهر ورأيت بعده صفرة أو كدرة، فإن كانت في مدة العادة فهي حيض، وإن كانت بعد مدة العادة فهي استحاضة، وقد قالت أم عطية رضي الله عنها: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا. أخرجه أبو داود وأصله في البخاري.
وكذلك ما ترينه من صفرة أو كدرة قبل رؤية الحيض لا يعد حيضا لأنه مسبوق بطهر، فلا يكون حيضا إلا في مدة العادة على مذهب الحنابلة كما قدمنا، فلا تتركي الصلاة لمجرد رؤية الصفرة قبل الحيض بل تنتظرين حتى تري دم الحيض.
ومن ثم فما تفعلينه ليس بصواب، والواجب عليك أن لا تلتفتي إلى ما ترينه من صفرة أو كدرة بعد رؤية الطهر وانقضاء مدة العادة، والواجب عليك كذلك أن تحسبي الأيام التي تركت فيها الصلاة ظانة أن ما ترينه من صفرة وكدرة بعد انقضاء الحيض حيض، ثم تقضين جميع تلك الصلوات لأنك لم تكوني حائضا في نفس الأمر، وتلك الصلوات دين في ذمتك لا تبرئين إلا بفعلها لقوله صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه، وقضاء تلك الصلوات يكون على الفور حسب طاقتك بما لا يضر ببدنك أو معاشك لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.
ونحب أن ننبهك إلى أمر مهم وهو أن الواجب على المسلم أن يرجع فيما أشكل عليه إلى أهل العلم لقوله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {النحل: 43}، فما فعلته من اقتصارك على إفتاء نفسك دون سؤال أهل العلم والرجوع إلى أقوالهم خطأ منك، فعليك أن تحرصي على العلم النافع وأن تطلبيه من مظانه، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.