الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كفالة الأيتام ومجهولي النسب- ممن فقدوا الراعي والأسرة- من أعمال البر التي يتقرب بها إلى الله جل وعلا، وهذا مما يدخل تحت قوله سبحانه: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. {الحج:77}. وقد بينا هذا في الفتويين: 3152، 7818.
ولكن هذا شيء والتبني شيء آخر، فإن تبني الطفل بحيث يدعى إلى غير أبيه حرام لا خلاف في حرمته؛ لأن الله سبحانه قد أبطل ذلك وحرمه، فقال سبحانه: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ. {الأحزاب: 5}. وقد بينا هذا بالتفصيل في الفتويين: 27090، 32352.
أما ما تفعله أختك من إهمال هذا الطفل وإضاعته حتى ساءت أخلاقه وفشل في تعليمه ودراسته، فهذا غير جائز، لأن المقصود من الكفالة هو الحفظ والرعاية، فإذا آل الأمر إلى عكس هذا المقصود من إضاعة الطفل وإهدار حقوقه، فهنا يدخل الأمر في نطاق المنع، والواجب على أختكم حينئذ أن ترده إلى الدار المسؤولة عن كفالة مثل هؤلاء الأطفال، وإلا وقعت في الإثم أمام الله سبحانه.
ولا يجوز لكم أن تنادوها بأم فلان لهذا الولد؛ لأن في ذلك إقرارًا لها على معصيتها ومعاونة لها على مخالفتها لأمر الله سبحانه في نسب هذا الطفل إلى غير أبيه، وقد نهى الله سبحانه عن التعاون على المعصية بقوله سبحانه: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. {المائدة: 2}.
أما إقامة هذا الطفل معها وخلوته بها فلا حرج في ذلك، لأنه في -هذه السن- لم يبلغ الحلم ولم يقاربه، فإذا قارب البلوغ ووصل إلى سن المراهقة فهنا يمنع من الخلوة بها، وتمنع من الظهور أمامه بلا حجاب شأنه شأن البالغ الأجنبي عنها.
قال النووي رحمه الله في المنهاج: المراهق كالبالغ. انتهى. جاء في شرح البهجة الوردية:(لا مراهق) لظهوره على عوراتهن فيلزم الولي منعه من النظر إليهن كما يلزمه أن يمنعه الزنا وسائر المحرمات، ويلزمهن الاحتجاب منه كما يلزمهن الاحتجاب من المجنون. انتهى.
ولكن يستثنى من ذلك ما إذا كانت أرضعته من يصير بإرضاعها محرما لأختكم كأختها، أو زوجة أخيها، فإنه يجوز له حينئذ الإقامة معها لأنه صارت من محارمه بسبب الرضاع بشرط أن يكون الإرضاع قد تم في الحولين.
والله أعلم.