الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الجمع بين الصلاتين من غير عُذرٍ من الكبائر كما بينا في الفتوى رقم: 53951. وليس ما ذكرته عُذراً يبيح الجمع فيما يظهر، فإذا كنت تصل إلى الكلية قبل العشاء بنصف ساعة، فإنه يمكنك أن تخرج متوضئاً، وتصطحب معك سجادة أو نحوها فتصلي عليها في المكان الذي تقف فيه للانتظار، وإن صليت على الأرض فلا حرج لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا. متفقٌ عليه، وقد بينا الحالات المبيحة للجمع في الفتوى رقم: 6846، فإن لم يكن لك عُذرٌ يبيح الجمع، فإن الجمع غيرُ جائز لك كما تقدم.
وإن كنت ممن يجوزُ له الجمع، أو فاتتك المغرب لعذرٍ ثم أدركت صلاة العشاء، وأردت أن تصلي معهم المغرب وهم يصلون العشاء، فهذا جائزٌ لك عند الشافعية، وهو الراجح عندنا كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 121331، ثم الأفضل إذا صليت المغرب خلف من يصلي العشاء أن تجلس في الثالثة، وتنتظر الإمام حتى يسلم، وإن فارقته فتشهدت لنفسك وسلمت فلا حرج، قال النووي: ولو نوى الصبح خلف مصلي الظهر وتمت صلاة المأموم، فإن شاء انتظر في التشهد حتى يفرغ الإمام، ويسلم معه وهذا الأفضل، وإن شاء نوى مفارقته وسلَّم. انتهى.
ثم إن فارقت الإمام، وأردت أن تتابعه في صلاة العشاء فلا حرج في ذلك إن شاء الله، قال الشيخ ابن عثيمين: إذا دخلت المسجد وصلاة العشاء مقامة، ثم تذكرت أنك لم تصل المغرب فتدخل مع الجماعة بنية صلاة المغرب، وإذا قام الإمام إلى الركعة الرابعة، فتجلس أنت في الثالثة وتنتظر الإمام ثم تسلم معه، ولك أن تسلم ثم تدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم. انتهى.
والأولى أن تصلي معهم بنية العشاء ثم تصلي المغرب، ويسقط الترتيب هنا للعذر، ولكن إن كنت ممن يُباح له الجمع، ونويت الجمع في وقت الأولى فلا بُد من مراعاة الترتيب، لأن الترتيب في الجمع بين الصلاتين شرط، فإما أن تصلي مع الإمام بنية المغرب ثم تصلي العشاء، وإن صليت معهم العشاء ثم صليت المغرب وجب عليك إعادة العشاء والحال هذه لما تقدم،قال الشيخ العثيمين: بقي الشرط الرابع وهو الترتيب، فيشترط الترتيب بأن يبدأ بالأولى ثم بالثانية؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: صلوا كما رأيتموني أصلي. ولأن الشرع جاء بترتيب الأوقات في الصلوات، فوجب أن تكون كل صلاة في المحل الذي رتبها الشارع فيه، ولكن لو نسي الإِنسان أو جهل أو حضر قوماً يصلّون العشاء وهو قد نوى جمع التأخير، ثم صلّى معهم العشاء ثم المغرب، فهل يسقط الترتيب في هذه الأحوال أو لا يسقط؟
المشهور عند فقهائنا رحمهم الله: أنه لا يسقط، وإن كانوا يسقطونه بالنسيان في قضاء الفوائت، لكنهم هنا لا يسقطونه، ويجعلون الفرق أن الجمع أداء، والقضاء قضاء، فالأول في وقته والثاني خارج وقته، وبناء على هذا لو أن الإِنسان قدم الثانية على الأولى سهواً أو جهلاً أو لإِدراك الجماعة أو لغير ذلك من الأسباب، فإن الجمع لا يصح فماذا يصنع في هذه الحال؟
الجواب: الصلاة التي صلاها أولاً، لم تصح فرضاً، ويلزمه إعادتها. انتهى.
والله أعلم.