الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من أحكام الله الثابتة القطعية التي دل عليها صريح القرآن وصحيح السنة المطهرة هو حل نكاح الرجل لأربع نسوة بشرط العدل بينهن، والقدرة على القيام بأعباء التعدد وما يترتب عليه، قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ {النساء: 3}، وهذا الحكم مطلق غير مقيد بعدم الذرية ولا بمرض الزوجة الأولى ولا بغير ذلك، ولا يجوز لأحد أن يغير حكم الله، ولا أن يبدله، ولا أن يكرهه، ولا أن يبدي رأيه فيه، فمن فعل ذلك فليراجع أصل دينه، قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ {المائدة: 50}.
يقول ابن كثير رحمه الله: ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم. انتهى.
وعلى ذلك فلا يجوز لك أن تسألي أحدا عن رأيه في أصل التعدد؛ لأن الله قد حكم بإباحته، والله يحكم لا معقب لحكمه، ولا يجوز أن تقابل أحكام الله بالآراء والأهواء، بل على المسلم أن ينقاد لها ويسلم بها تسليما، قال سبحانه: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء: 65}.
ولكن يجوز لك أن تسألي شخصا عما يفضله هو لنفسه من التعدد أو الاكتفاء بواحدة، مع التنبيه على أنه لا يجوز لك أن تسألي هذا السؤال لشخص أجنبي عنك؛ لأنه لا حاجة له، والكلام مع الأجنبي لغير حاجة لا يجوز، كما بيناه في الفتويين رقم: 21582، 116825.
علما بأن استحباب التعدد أو عدمه مسألة خلافية بين أهل العلم، فمنهم من ذهب إلى أفضلية التعدد، ومنهم من ذهب إلى أن الاكتفاء بواحدة هو الأولى. جاء في كتاب الإنصاف للمرداوي: ويستحب أيضا أن لا يزيد على واحدة إن حصل بها الإعفاف على الصحيح من المذهب، وقال ابن الجوزي: إلا أن لا تعفه واحدة. انتهى. وقيل: المستحب اثنان كما لو لم تعفه وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله، فإنه قال: يقترض ويتزوج. ليته إذا تزوج اثنتين يفلت. انتهى.
والله أعلم.