الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما لم يثبت بلفظه في أسماء الله عز وجل، فإن دعاء الله تعالى به: موضع خلاف ونظر. فمن أهل العلم من حصر أسماء الله سبحانه في تسعة وتسعين اسماً ومنع من دعائه بغيرها، ومنهم من لم يحصرها في هذا العدد، فكل ما ثبت تسميته به في الكتاب والسنة فهو من أسمائه الحسنى ويدعى بها. ومنهم من صحح دعاءه سبحانه بما يصح وصفه به أو الإخبار به عنه، مما فيه ثناء حسن عليه سبحانه، باعتبار أن حسنها يدخلها في أسمائه تعالى التي يدعى بها. قال الماوردي في النكت والعيون: في المراد بالحسنى ها هنا وجهان: أحدهما: ما مالت إليه القلوب من ذكره بالعفو والرحمة دون السخط والنقمة. والثاني: أسماؤه التي يستحقها لنفسه ولفعله، ومنها صفات هي طريق المعرفة به .. اهـ.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ } [الأعراف: 180] ثم قال: هنا ثلاثة أقوال:
إما أن يقال: ليس له من الأسماء إلا الأحسن ولا يدعى إلا به. وإما أن يقال: لا يدعى إلا بالحسنى؛ وإن سمي بما يجوز، وإن لم يكن من الحسنى. وهذان قولان معروفان.
وإما أن يقال: بل يجوز في الدعاء والخبر. وذلك أن قوله: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقوله: {ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} أثبت له الأسماء الحسنى وأمر بالدعاء بها. فظاهر هذا: أن له جميع الأسماء الحسنى. وقد يقال: جنس " الأسماء الحسنى " بحيث لا يجوز نفيها عنه كما فعله الكفار، وأمر بالدعاء بها وأمر بدعائه مسمى بها؛ خلاف ما كان عليه المشركون من النهي عن دعائه باسمه الرحمن. فقد يقال: قوله {فادعوه بها} أمر أن يدعى بالأسماء الحسنى وأن لا يدعى بغيرها؛ كما قال: {ادعوهم لآبائهم} فهو نهي أن يدعوا لغير آبائهم.
ويفرق بين دعائه والإخبار عنه، فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى؛ وأما الإخبار عنه: فلا يكون باسم سيئ؛ لكن قد يكون باسم حسن أو باسم ليس بسيئ وإن لم يحكم بحسنه. مثل اسم شيء وذات وموجود؛ إذا أريد به الثابت وأما إذا أريد به " الموجود عند الشدائد " فهو من الأسماء الحسنى .... لكن كل ما يذكر من أسمائه وصفاته في حال الإخبار عنه: يدعى به في حال مناجاته ومخاطبته؛ وإن كانت أسماء المخلوق فيها ما يدل على نقصه وحدوثه وأسماء الله ليس فيها ما يدل على نقص ولا حدوث؛ بل فيها الأحسن الذي يدل على الكمال وهي التي يدعى بها؛ وإن كان إذا أخبر عنه يخبر باسم حسن أو باسم لا ينفي الحسن ولا يجب أن يكون حسنا. اهـ.
وجاء أيضا في فتاوى شيخ الإسلام: مسألة فيمن قال: لا يجوز الدعاء إلا بالتسعة والتسعين اسما، ولا يقول: يا حنان يا منان، ولا يقول: يا دليل الحائرين، فهل له أن يقول ذلك؟
الجواب: الحمد لله. هذا القول وإن كان قد قاله طائفة من المتأخرين، كأبي محمد بن حزم، وغيره فإن جمهور العلماء على خلافه، وعلى ذلك مضى سلف الأمة وأئمتها، وهو الصواب لوجوه ... اهـ.
وقال شيخ الإسلام أيضا في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: أفعاله سبحانه هي مقتضى أسمائه وصفاته، فمغفرته ورحمته من مقتضى اسمه الغفور الرحيم، وعفوه من مقتضى اسمه العفو ... وهدايته ودلالته من مقتضى اسمه الهادي، وفي الأثر المنقول عن أحمد بن حنبل أنه أمر رجلاً أن يقول: يا دليل الحيارى دلني على طريق الصادقين، واجعلني من عبادك الصالحين . اهـ.
وعلى ذلك، فالظاهر هو جواز الدعاء بنحو ما جاء في السؤال. وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء هذا السؤال: هل يجوز قول الإنسان عند الاستعانة مثلا -بالله عز وجل: يا معين، يا رب، أو عند طلب التيسير فيأمر: يا مسهل، أو يا ميسر يا رب، وما الضابط في ذلك؟ وما حكم من يقول ذلك ناسيا أو جاهلا أو متعمدا؟
فأجابت: يجوز لك أن تقول ما ذكرت؛ لأن المقصود من المعين والمسهل والميسر في ندائك هو الله سبحانه وتعالى؛ لتصريحك بقولك: يا رب، آخر النداء، سواء قلت ذلك ناسيا أو جاهلا أو متعمدا. اهـ.
ويؤكد هذا: مشروعية استفتاح الدعاء بألفاظ الثناء على الله تعالى بما أهله، والثناء عليه سبحانه لا يقتصر على أسمائه، وإنما يكون أيضا بصفاته وأفعاله.
مع ما هو مقرر من مشروعية الاستعاذة والاستغاثة بصفات الله تعالى وأفعاله. وانظر الفتويين: 133335 ، 379288 .
والله أعلم.