الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قال أهل العلم في تفسير الآية المشار إليها: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة: 233}
أي وعلى الوالدات إرضاع أولادهن مدة سنتين قمريتين كاملتين، لمن أراد إتمام الرضاعة، ويجب على الآباء أن يكفُلوا للمرضعات المطلقات طعامهن وكسوتهن، على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا قدر طاقتها، ولا يحل للوالدين أن يجعلوا المولود وسيلة للمضارة بينهما.. فإن أراد الوالدان فطام المولود قبل انتهاء السنتين فلا حرج عليهما، إذا تراضيا وتشاورا في ذلك؛ ليصلا إلى ما فيه مصلحة المولود. كما هو مبين في قوله تعالى: فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا {البقرة: 233} يعني إذا أراد أن يفصل المولود عن رضاعة أمه.
ومضمون الآية أن على الأم المطلقة أن ترضع ولدها حولين كاملين إن أرادت هي وأبو الرضيع إتمام الرضاعة، وإلا فلا حرج عليهما، والحولان هما المدة التي يستغني فيهما الطفل عادة عن لبن أمه بالطعام، وربما استغنى بالطعام قبل هذه المدة، ويختلف ذلك باختلاف البيئات.. ولذلك لم يلزم القرآن الكريم الأبوين بهذه المدة بالضبط وإنما قال: فإن أرادا فصالاً.. الآية.
والجمهور على أن الحولين غاية لإرضاع كل مولود. وأخذوا من الآية أن الرضاع المعتبر هو ما كان في الحولين، وأن ما بعدهما لا حاجة إليه، فلذلك لا يجاب إليه طالبه.
وهذا ما يظهر من معنى الآية، ويمكن أن يكون لها معنى آخر يطلع الله تعالى عليه من شاء من عباده، فالقرآن لا تنقضي عجائبه..