الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لأبيك بيع الدواء بأقل من سعره أو صرفه مجانًا، ولو كان ذلك لفقير أو قريب أو غيره، إلا أن يأذن له من هو مخول بالإذن في مثل ذلك. وعليه أن يتوب إلى الله تعالى، ويكف عن ذلك الفعل ما لم يجد إذنًا به، لأنه من خيانة الأمانة والاعتداء المحرم.
وإذا أراد مساعدة المستضعفين والفقراء وهي نية حسنة، فليكن ذلك بجهده وماله، وبذل شفاعته ليقبل ذلك منه، ولا يعتدي على حقوق الغير أو يخون الأمانة الموكلة إليه، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {لأنفال:27}.
كما أن ما يدفعه إليه أصحاب المطاعم لا يجوز له قبوله، لأن الظاهر منه كونه رشوة محرمة، لأنهم يدفعون ذلك طمعًا في محاباته والتأثير عليه. وقد ثبت عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الراشي والمرتشي. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
إلا إذ ا كان بعضهم يفعل ذلك لعلاقة شخصية بينه وبينه كالقرابة أو الصداقة أو تقديرًا لجهده وخلقه، فلا حرج عليه في قبول هديته والانتفاع بهبته، بشرط ألا تؤدي إلى محاباة أو تصرف غير مشروع، مع أن الأولى هو البعد عن ذلك كله؛ لئلا يؤدي إلى أكل الحرام والوقوع فيه. وقد بينا المباح وغير المباح من الهدايا التي يعطيها الناس للعمال. وذلك في الفتوى: 121080.
وأما تقديم عمال المطاعم للوجبات مجانًا لمن يجوز له أخذها، فلا يخلو الحال فيه من أن يكون لهم الإذن في ذلك أو يتولوا هم حسابه، فلا حرج فيه حينئذ إن لم يكن على سبيل الرشوة، كما تقدم. أو يكون حالهم أنهم يعتدون على ما تحت أيديهم ويخونون أمانتهم بصرف الطعام مجانًا دون أن يكون لهم إذن في ذلك، أو أن يتولوا هم حسابه، فتلك خيانة واعتداء محرم لا يجوز لهم فعله، ولا لمن علم به قبول ذلك منهم قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}، وانظر الفتوى: 120098.
والله أعلم.