الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجل المستطيع الذي يسمع النداء، ولا يجوز له أن يصلي في البيت إلا لعذر، فالله تعالى لم يرخص في تركها وقت نشوب الحرب، ولم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى في التخلف عنها إذا كان يسمع النداء.
والمراد بسماع النداء سماع الأذان بالصوت المعتاد بدون مكبر مع رفع المؤذن صوته وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع، فمن كان على مسافة من المسجد يتمكن فيها من سماع الأذان على هذا النحو وجبت عليه صلاة الجماعة وإلا لم تجب، ويجب التنبه إلى أن توفر وسائل النقل وسهولة الطرق جعل شهود الصلاة أمرا ميسورا، وفي حضور الجماعة من المنافع الدينية والدنيوية ما يجعل شهودها فضيلة، وإن لم يكن واجبا لبعد المسافة ونحوها. وقد تقدم تفصيل ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1798، 5367، 45721.
كما سبق بيان الأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 49024، 9495، 19552.
وليس ما ذكرته السائلة الكريمة من هذه الأعذار، وعليه فإن كان المسجد منكم بحيث تسمعون الأذان على الوضع السابق فلا يجوز لها أن تطلب من زوجها أن يصلي العشاء في البيت، فإن هذا يكون من الأمر بالمنكر والصد عن الخير والتعاون على الإثم.
وأما ما ذُكر عن إمام المسجد وتخلفه عن صلاة الجماعة لتلبية دعوة عشاء عند أحد الإخوة، فإن كان يعني أنه لا يحرم عليه إذا حضر طعام العشاء أن يأكل حتى وإن أقيمت الصلاة، فهذا صحيح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء. متفق عليه. وقد روى ابن عمر نحو هذا الحديث: فكان يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وإنه ليسمع قراءة الإمام. رواه البخاري.
فما دام هناك في المسجد من يقوم بشعائر الصلاة من الأذان والإمامة، فلا بأس على الإمام إذا حضر الطعام أن يبدأ به. وإما إن كان يعني أن مجرد تلبية الدعوة لإدخال السرور على قلب الداعي عذر لترك الجماعة فليس بصحيح.
ثم ننبه على أن الزوج إن تخلف عن صلاة الجماعة في المسجد لعذر شرعي، فإنه إن صلى في بيته بزوجته حاز فضيلة الجماعة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 57230.
والله أعلم.