الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فإن كانت الشركة تملك السيارة، وتبيعها للزبون بثمن محدد، ولو بأكثر من قيمتها، فلا حرج في ذلك، وهو ما يسمى ببيع المرابحة، قال ابن قدامة في المغني في تعريف بيع المرابحة: هو البيع برأس المال وربح معلوم، فيقول: رأس مالي فيه، أو هو عليّ بمائة، بعتك بها وربح عشرة ـ مثلًا ـ، فهذا جائز، لا خلاف في صحته، ولا نعلم فيه عند أحد كراهة.
وقد بينا الفرق بين البيع بزيادة في الثمن إلى أجل وبين القرض بزيادة إلى أجل في الفتوى: 22926. وللوقوف على الضوابط الشرعية لبيع المرابحة انظر الفتويين: 18102، 17429.
لكن لا يجوز أن يشترطوا فائدة، أو زيادة عند التأخر في سداد الثمن، أو قسط من أقساطه، جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة 1409: قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين، أو فرض عليه أن يدفع له مبلغًا من المال غرامة مالية جزائية محددة، أو بنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل؛ لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية، الذي نزل القرآن بتحريمه.
وكذلك إن كان العقد الذي تجريه الشركة مع الزبون هو عقد إجارة منتهِ بالتمليك، فإنه لا حرج فيه، إذا انضبط العقد بضوابطه الشرعية، ومنها: كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي:
1- وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر زمانًا، بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة، والخيار يوازي الوعد في الأحكام.
2- أن تكون الإجارة فعلية، وليست ساترة للبيع.
3- أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك، لا على المستأجر؛ وبذلك يتحمل المؤجّر ما يلحق العين من ضرر، غير ناشئ من تعد المستأجر، أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة. وللوقوف على القرار بكامله، انظر الفتوى: 6374.
وإذا انتهت مدة عقد الإجارة، فلا حرج في بيع السيارة للزبون بثمن يوازي قيمتها، أو أقل، أو هبتها له دون ثمن.
وبناء عليه؛ فانظر في ملاءمة ما تقوم به الشركة من عقود لتلك الضوابط الشرعية، سواء أكان بيع مرابحة أم عقد إجارة منته بالتمليك، فإن انضبط بالضوابط الشرعية، جاز، وإلا فلا يجوز الدخول في معاملة محرمة، إلا أن تلجئ الضرورة إلى ذلك، قال بعض أهل العلم مبينًا حد الضرورة: هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر، أو المشقة الشديدة، بحيث يخاف حدوث ضرر، أو أذى بالنفس، أو بالعضو ـ أي: عضو من أعضاء النفس ـ، أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال وتوابعها، ويتعين، أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته؛ دفعًا للضرر عنه في غالب ظنه، ضمن قيود الشرع. انتهى. من نظرية الضرورة الشرعية. وقال الشيخ المودودي: لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا، فإن التبذير في مجالس الزواج، ومحافل الأفراح والعزاء، ليس بضرورة حقيقية، وكذلك شراء السيارة، أو بناء المنزل، ليس بضرورة حقيقية، وكذلك ليس استجماع الكماليات، أو تهيئة المال؛ لترقية التجارة بأمر ضرورة، فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة، والاضطرار، ويستقرض لها المرابون آلافًا من الليرات، لا وزن لها، ولا قيمة في نظر الشريعة، والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. انتهى.
والله أعلم.