الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتدخل والدك في شئونك الزوجية ونحو ذلك لا يبيح لك الإساءة إليه أو التقصير في برّه، فإنّ حقّ الوالد عظيم، وقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، ونهى عن زجرهما وإغلاظ القول لهما، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا {الإسراء: 23}.
فما كان منك حين نهرت والدك هو من العقوق الذي حرمّه الله، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أكبر الكبائر، فالواجب عليك التوبة من ذلك والندم على هذا الفعل والعزم على عدم العود لمثله، وأن تعتذر لأبيك وتطلب منه العفو، وتجتهد في برّه والإحسان إليه، ولك أن تنصحه برفق وأدب أو تستعين بمن يقبل قوله من الأقارب أو غيرهم من أهل الدين لينصحوه بترك التدخل فيما ليس من حقّه في أمورك الزوجية.
أمّا عن انفصالك عنه بالسكن فهو جائز، لكن لا يجوز لك أن تقصر في رعايته وبرّه وطاعته في المعروف، وانظر الفتوى رقم: 72133، وإذا كنت تريد السفر لطلب الكسب، ولم يكن في سفرك تضييع لوالدك، فالسفر جائز، قال الكاساني في بدائع الصنائع: وَكُلُّ سَفَرٍ لَا يَشْتَدُّ فيه الْخَطَرُ يَحِلُّ له أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا إذ لم يُضَيِّعْهُمَا لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ. اهـ
وعلما بأن السفر إذا كان بقصد القطيعة للوالدين أو أحدهما فإنه لا يجوز.
ونذكّر السائل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة. قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: فالسعيد الذي يبادراغتنام فرصة برهما لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك والشقي من عقهما.
والله أعلم.