الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فميقات أهل الأردن للحج والعمرة هو الجحفة، فقد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام ومن وراءهم، ولا يجب عليهم أن يحرموا من ذي الحليفة والمعروفة بآبار علي إلا إذا كانوا بالمدينة قبل ذهابهم لمكة، فإنهم يحرمون من ميقات أهل المدينة حينئذ وهو ذو الحليفة، فإذا وصل أحدكم إلى مكة وأدى النسك، وأراد تكرار العمرة فإنه لا يلزمه أن يخرج إلى الميقات الذي أحرم منه لا إلى ذي الحليفة ولا إلى الجحفة، وإنما يلزمه أن يخرج إلى الحل أي خارج حدود الحرم، التنعيم أو غيرها فيحرم من هناك، فإن ميقات المكي للعمرة هو أدنى الحل. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: أهل مكة يحرمون للعمرة من خارج الحرم كالتنعيم، وإذا سكنوا في الهدا وقت الصيف فإنهم يحرمون للعمرة من مكانهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت: .ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة يهلون من مكة. متفق عليه، وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة لـمَّا أرادت العمرة وهي في مكة أن تحرم من الحل. انتهى.
قال النووي في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن أبي بكر: اُخْرُجْ بِأُخْتِك مِنْ الْحَرَم فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ: فِيهِ دَلِيل لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاء أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْعُمْرَة فَمِيقَاته لَهَا أَدْنَى الْحِلّ، وَلا يَجُوز أَنْ يُحْرِم بِهَا مِنْ الْحَرَم.... قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخُرُوج إِلَى الْحِلّ لِيَجْمَع فِي نُسُكه بَيْن الْحِلّ وَالْحَرَم، كَمَا أَنَّ الْحَاجّ يَجْمَع بَيْنهمَا فَإِنَّهُ يَقِف بِعَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي الْحِلّ، ثُمَّ يَدْخُل مَكَّة لِلطَّوَافِ وَغَيْره هَذَا تَفْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَهَكَذَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء أَنَّهُ يَجِب الْخُرُوج لإِحْرَامِ الْعُمْرَة إِلَى أَدْنَى الْحِلّ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي الْحَرَم وَلَمْ يَخْرُج لَزِمَهُ دَم. وَقَالَ عَطَاء: لا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِك: لا يُجْزِئهُ حَتَّى يَخْرُج إِلَى الْحِلّ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَالَ مَالِك: لا بُدّ مِنْ إِحْرَامه مِنْ التَّنْعِيم خَاصَّة. قَالُوا: وَهُوَ مِيقَات الْمُعْتَمِرِينَ مِنْ مَكَّة، وَهَذَا شَاذّ مَرْدُود، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِير أَنَّ جَمِيع جِهَات الْحِلّ سَوَاء، وَلا تَخْتَصّ بِالتَّنْعِيمِ.
وبه تعلم خطأ من قال بلزوم الخروج إلى الميقات الذي أحرمت منه إذا أردت تكرار العمرة وأنت بمكة، إلا إذا كان مراده بذلك أن تكون العمرة عن شخص آخر ميت، أو حي عاجز عجزا بدنيا، فإن أكثر العلماء يوجبون أن يكون الإحرام من ميقات المنوب عنه.
والله أعلم.