الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يجزيك خيرا، وأن يعينك على بر أبيك، لا سيما في مثل هذه السن التي يحتاج فيها إلى العون والرعاية، فقد قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً. {الإسراء:23}.
أما بالنسبة لمقاطعة أختك هذه التي يظهر منها الفسق ورقة الدين لدرجة ضرب الوالد وسبه وسب أبيه وسبك أنت أيضا، فمثل هذه الأخت يجوز قطع رحمها من باب الزجر بالهجر، وذلك يكون بعد بذل المستطاع في النصح لها وترغيبها وترهيبها وتذكيرها بالله تعالى، ثم ببيان أن قطعها إنما هو بسبب سوء صنيعها، فإن تابت إلى الله وإلا فليقاطعها غضبا لله وإنكارا لمنكرها، وفي الوقت نفسه طاعة لوالده الذي طلب هذا منه ومن إخوته.
قال ابن حجر في فتح الباري في باب: من وصل وصله الله: قال ابن أبي جمرة: وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى. اهـ.
ونقل ذلك وأقره الخادمي في بريقة محمودية، والمناوي في فيض القدير، والمباركفوري في تحفة الأحوذي، والسفاريني في غذاء الألباب.
وأما مسألة إجبار والدك على الانتقال، فهذا بحسب ما يخشى عليه من ضرر في بقائه عند زوجته الثانية، فإن تيقنتم أو غلب على ظنكم أنه سيقع عليه ضرر كبير ولن يستطيع دفعه عن نفسه، جاز لكم بواسطة الإبلاغ عن الأمر إلى السلطان.
أما إجباره بحيث تأخذونه عنوة وهو كاره رافض لذلك فهذا أمر لا نوصي به ما دام معه عقله.
ومع ذلك فينبغي أن تبذلوا جهدكم لإقناعه وإرضائه بحيث ينتقل بطيب نفسه، دون اللجوء إلى السلطة إلا إذا تعين ذلك وسيلة لإنقاذه من موت محقق مثلا أو تعرضه للضرب مثلا.
والله أعلم.