الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم في الدم الذي تراه الحامل هل يعد حيضا أولا، وقد فصل الموفق في المغني الخلاف في المسألة وانتصر لكونها لا تحيض وهو مذهب الحنابلة وهو الراجح ـ إن شاء الله ـ لقوة دليله، قال ابن قدامة رحمه الله: مذهب أبي عبد الله رحمه الله أن الحامل لا تحيض، وما تراه من الدم فهو دم فساد، وهو قول جمهور التابعين منهم سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وجابر بن زيد وعكرمة ومحمد بن المنكدر والشعبي ومكحول وحماد و الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وابن المنذر وأبو عبيد وأبو ثور وروي عن عائشة رضي الله عنها، والصحيح عنها أنها إذا رأت الدم لا تصلي، وقال مالك والشافعي والليث : ما تراه من الدم حيض إذا أمكن وروي ذلك عن الزهري وقتادة وإسحاق، لأنه دم صادف عادة فكان حيضا كغير الحامل.
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة. جعل وجود الحيض علما على براءة الرحم فدل ذلك على أنه لا يجتمع معه، واحتج إمامنا بـحديث سالم عن أبيه أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه و سلم فقال : مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا. فجعل الحمل علما على عدم الحيض كما جعل الطهرعلما عليه، ولأنه زمن لا يعتادها الحيض فيه غالبا فلم يكن ما تراه فيه حيضا كالآيسة قال أحمد : إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم وقول عائشة : يحمل على الحبلى التي قاربت الوضع جمعا بين قوليها. انتهى.
وقد رجحنا هذا القول في الفتوى رقم: 11777 ، وبناء على ما رجحناه فإن ما رأيته من دم في هذه المدة هو دم فساد، وليس له حكم الحيض فلا يمنع هذا الدم ولا ما تبعه من إفرازات بنية من الصوم والصلاة، كما يجوز أن يقربك زوجك لأنك مستحاضة، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت، الصلاة أعظم. أخرجه البخاري.
ولكن يجب عليك إذا استمر معك نزول هذا الدم أو تلك الإفرازات أن تفعلي ما تفعل المستحاضة من التحفظ بشد خرقة أو نحوها على الموضع، ثم تتوضئين لكل صلاة بعد دخول الوقت وتصلين بهذا الوضوء الفرض وما شئت من النوافل.
والله أعلم.