الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصواب أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر، وهما اللذان كانا بمكة وقت أمر الله الخليل بذبح ابنه، وأما إسحاق وأمه سارة فلم يكونا بمكة، وليس هو الذبيح على الراجح من أقوال أهل العلم، والأثر المذكور عن كعب الأحبار هو من الإسرائيليات التي تخالف ظاهر القرآن، فكعب ـ رحمه الله ـ من التابعين وقد كان يهوديا فأسلم، وقد كان يحدث عن التوراة، ومعلوم أن أكثرها محرف ومبدل، فهذا كأنه من تبديل اليهود وتحريفهم، فقد ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره لآية الصافات ـ 99-100ـ حديثا مشابها للسابق وفيه أن الذبيح هو إسحاق عليه السلام، ثم قال ابن كثير: الأشبه أن السياق إنما هو عن إسماعيل، وإنما حرفوه بإسحاق، حَسَدًا منهم كما تقدم، وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها بمنى من أرض مكة، حيث كان إسماعيل لا إسحاق ـ عليهما السلام ـ فإنه إنما كان ببلاد كنعان من أرض الشام. انتهى.
و قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في منهاج السّنّة : وكلّ من قال: إنّه إسحاق، فإنّما أخذه عن اليهود أهل التّحريف والتّبديل، كما أخبر اللّه تعالى عنهم.
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: وَأَمّا الْقَوْلُ بِأَنّهُ إسْحَاقُ فَبَاطِلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ ـ قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ ـ يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ إنّمَا هُوَ مُتَلَقّى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ أَنّهُ بَاطِلٌ بِنَصّ كِتَابِهِمْ فَإِنّ فِيهِ ـ إنّ اللّهَ أَمَرَ إبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ بِكْرَهُ وَفِي لَفْظٍ وَحِيَدَهُ ـ وَلَا يَشُكّ أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَنّ إسْمَاعِيلَ هُوَ بِكْرُ أَوْلَادِهِ، وَاَلّذِي غَرّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ فِي التّوْرَاةِ الّتِي بِأَيْدِيهِمْ ـ اذْبَحْ ابْنَك إسْحَاقَ ـ قَالَ وَهَذِهِ الزّيَادَةُ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَكَذِبِهِمْ، لِأَنّهَا تُنَاقِضُ قَوْلَهُ اذْبَحْ بِكْرَك وَوَحِيدَك وَلَكِنّ الْيَهُودَ حَسَدَتْ بَنِي إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا الشّرَفِ وَأَحَبّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَأَنْ يَسُوقُوهُ إلَيْهِمْ وَيَحْتَازُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ دُونَ الْعَرَبِ، وَيَأْبَى اللّهُ إلّا أَنْ يَجْعَلَ فَضْلَهُ لِأَهْلِهِ. وانظر تمام الكلام لفائدته.
وبهذا يتبين للسائل أن ما قرأه ليس مجرد خطإ في الطباعة ونحوها، بل هو قول قديم لكنه خلاف الصواب كما أسلفنا.
والله أعلم .