الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيرا على تحريك الحلال، وحرصك على البعد عن الحرام في علاقتك بهذه الفتاة، ولكنا نقول: لا بد وأن تقطع علاقتك بهذه الفتاة فورا حتى يقضي الله في أمرك قضاء، لأن مثل هذه العلاقات محرمة في نفسها، وإن كانت مجرد حديث في أمور مباحة، فهذا يجر في الغالب الأعم إلى معصية الله وتعدي حدوده.
ولسنا ندري مقصودك بالخطبة التي تريدها مظلة شرعية لعلاقتك بهذه الفتاة، فإن كنت تقصد ما يجري بين الرجل والمرأة وأهليهما من تزاور وتواعد بالزواج فهذا لا يغير من الأمر شيئا، وتظل المرأة بعدها أجنبية عن الرجل حتى يتزوجها.
أما إن كنت تقصد بالخطبة عقد النكاح فقد أصبت، لأن عقد الزواج هو المظلة الشرعية الوحيدة للعلاقة بين الذكر والأنثى، وبمجرد حصوله تصير المرأة حلا لزوجها وهو حل لها.
وأما عن تعنت أمك معك فإنا ننصحك أن تتلطف في معاملتها وتذكرها بالله سبحانه، وتعلمها أن إقدام والدة هذه الفتاة على الزواج بعد وفاة زوجها أمر ينبغي أن تحمد عليه لحرصها على إعفاف نفسها والبعد عن الحرام والشبهات، وأن الزواج سواء للبكر أو الثيب، مما أباحه الله وشرعه لا بل مما ندب الله عباده إليه ورغبهم فيه فإن الزواج سنة من سنن النبيين والمرسلين، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً. {الرعد: 38}. وفي الحديث المتفق عليه: لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
ولم يزل نساء الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتزوجن بعد موت أزواجهن ولم ينكر عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان في هذا حرج أو نقص في دين أو مروءة لبينه رسول الله لأمته، وها هي سبيعة الأسلمية صحابية جليلة كانت تحت سعد بن خولة وهو صحابي جليل من أهل بدر فمات عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تَنْشَبْ أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما طهرت من نفاسها تجمَّلَتْ للخطاب، فدخل عليها أبو السَّنَابِلِ بِنْ بَعْكَك رجل من بني عبد الدار فقال لها: ما لي أراك متجملة؟ لعلك ترتجين النكاح؟ إنك والله ما أنت بناكح؛ حتى يَمُرَ عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك؛ جمعت عليَ ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته عن ذلك؟ فأفتاني بأني قد حَلَلْتُ حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي. متفق عليه.
قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت، وإن كانت في دمها؛ غير أنه لا يقربها زوجها حتى تَطْهرَ.
وقد كان من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من هن أرامل مات عنهن أزواجهن أو استشهدوا، ومن هؤلاء حفصة بنت عمر وأم سلمة.
ثم عليك أن تعلمها أن الزواج أمر خطير يتعلق ببناء أسرة جديدة، فينبغي أن يحاط بما يضمن استمراره وبقاءه، ومن أعظم أسباب نجاحه أن يتزوج الرجل بمن يرغب فيها، وتتزوج المرأة بمن ترغب فيه، فإذا أراد الشاب الزواج من فتاة ذات خلق ودين فلا يجوز لأحد أن يمنعه من الزواج بها، وإذا تقدم للفتاة رجل صاحب خلق ودين فلا يجوز لأحد أن يمنعها من الزواج به، فمن فعل ذلك فهو آثم ظالم.
فإن لم تستجب لك أمك في هذا فوسط بينك وبينها من يملك التأثير عليها من أرحامها ونحوهم، فإن أصرت على الرفض فإنا ننصحك بترك الزواج من هذه المرأة حرصا على إرضاء أمك وعلاقتك بها، والنساء سواها كثير، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
لكن إن خفت على نفسك حصول فتنة لك في دينك أو ضرر لك في دنياك بسبب ترك هذا الزواج، ولم يكن لأمك أسباب معتبرة شرعا لمنعك من هذا الزواج فيجوز لك حينئذ أن تتزوج من هذه الفتاة، ولو لم توافقك أمك، ولا يعد هذا من عقوقها، ولكن احرص بعد الزواج على استرضائها وتطييب خاطرها بكل سبيل.
والله أعلم.