الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله سبحانه من أحسن أعمال المسلم، كما قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33}.
ودليل على إرادة الخير به وأنه من المفلحين الذين اصطفاهم الله للقيام بهذه العبادات العظيمة، كما قال سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104}. وقال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ {آل عمران: 110}.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية، كما دل عليه القرآن، ولما كان الجهاد من تمام ذلك كان الجهاد أيضاً كذلك، فإذا لم يقم به من يقوم بواجبه أثم كل قادر بحسب قدرته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه. اهـ من مجموع الفتاوى.
وانتشار المنكرات لا يعني سقوط النهي عنها، بل تزداد بسببه أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن رحمة المولى سبحانه ورفعه للحرج عنا أنه قيد ذلك بضوابط ومنها الاستطاعة، فمن توفرت فيه الضوابط الشرعية وكان مستطيعا وجب عليه النهي عن المنكر، ومن لم يستطع بلسانه ولا بيده، كان عليه الإنكار بالقلب، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ. رواه مسلم.
وراجع الفتوى رقم: 75007، ففيها بيان أن تغيير المنكر يكون بقدر الطاقة والوسع.
وما يقوم به الشخص من جهود مشكورة في الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير فهو مما يحمد عليه ومن أفضل الأعمال، ولكنه لا يغني عن النهي عن المنكر ولا يسوغ له ترك إنكار المنكر إذا وجب عليه وجوبا عينيا، وذلك إذا توفرت شروط الوجوب وانتفت موانعه، وفق الضوابط الشرعية التي ذكرناها في الفتويين رقم: 36372، ورقم: 9358، فراجعهما.
والله أعلم.