الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نعثر على حديث بهذا اللفظ، وإنما ورد في صحيح مسلم وغيره قوله عليه الصلاة والسلام: الكلب الأسود شيطان. بدون تقييد بكونه في الليل.
واختلف العلماء في معنى هذا، فذهب بعضهم إلى حمله على الحقيقة، وأن شيطان الجن يتمثل في شكل الكلب الأسود، وذهب بعضهم إلى حمله على المجاز، وذلك لأن الكلب الأسود أكثر ضررا وتمردا من غيره من الكلاب وأقلها نفعا، فناسب إطلاق وصف الشيطان عليه، لوجود معنى التمرد والعتوّ والبعد عن المألوف.
جاء في عون المعبود: قال في فتح الودود: حمله بعضهم على ظاهره وقال: إن الشيطان يتصور بصورة الكلاب السود. وقيل: بل هو أشد ضررا من غيره فسمي شيطانا.
وفي تحفة الأحوذي: فإن قيل: ما معنى قوله صلى الله عليه و سلم في الكلب الأسود إنه شيطان ومعلوم أنه مولود من الكلب؟ وكذلك قوله في الإبل إنها جن، وهي مولودة من النوق؟ فالجواب أنه إنما قال ذلك على طريق التشبيه لهما بالشيطان والجن، لأن الكلب الأسود شر الكلاب وأقلها نفعا.
وممن رجح هذا المعنى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، فقال: والصحيح: أنه شيطان كلاب، لا شيطان جِنٍّ، والشيطان ليس خاصًّا بالجن، قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ {الأنعام: 112}، فالشيطان كما يكون في الجِنِّ يكون في الإِنس، ويكون في الحيوان، فمعنى شيطان في الحديث، أي: شيطان الكلاب، لأنه أخبثها ولذلك يُقتل على كُلِّ حال، ولا يحلُّ صيده بخلاف غيره. الشرح الممتع.
ولكن لا يمتنع أن يتشكل الشيطان في صورة كلب أسود وغيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كثيراً، وكذلك بصورة القط الأسود، لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره وفيه قوة الحرارة. انظر مجموع الفتاوى ج/19 ص/52.
فالخلاصة أن الراجح في معنى الحديث أنه شيطان كلاب لا شيطان جن، ولكن قد يتشكل شيطان الجن في صورة كلب أسود.
والله أعلم.