الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه المسألة تنبني على خلاف العلماء فيما يدركه المسبوق مع إمامه، هل هو أول صلاته أو آخرها؟ وقد بين النووي خلاف العلماء في هذه المسألة، فقال في شرح المهذب: قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته وما يتداركه آخرها، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحق حكاه عنهم ابن المنذر قال: وبه أقول، قال: وروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء ولا يثبت عنهم، وهو رواية عن مالك وبه قال داود، وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد: ما أدركه آخر صلاته وما يتداركه أول صلاته وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين، واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا. رواه البخاري ومسلم.
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة.
قال البيهقي: الذين رووا فأتموا أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث فهم أولى، قال الشيخ أبو حامد والماوردي: وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله وبقية آخره، وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبى الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبى قلابة رضي الله عنهم.انتهى.
والراجح عندنا أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وانظر الفتوى رقم: 120040، ومن ثم فقد كان المشروع لهذا المأموم أن يجلس في ثانية المفعولات التي هي أولى المقضيات، وقد بين المرداوي في الإنصاف عند كلامه على ثمرات الخلاف في هذه المسألة، وهل ما يدركه المسبوق هو أول صلاته أو آخرها؟ أن محل جلوس المسبوق للتشهد هو من ثمرات هذا الخلاف، قال رحمه الله: ومنها: محل التشهد الأول في حق من أدرك من المغرب أو من رباعية ركعة فالصحيح من المذهب أنه يتشهد عقب ركعة على كلا الروايتين وعليه الجمهور منهم الخلال وأبو بكر والقاضي قال الخلال: استقرت الروايات عليها وقدمه في الفروع والمحرر وقال في الأصح عنه: وعنه يتشهد عقب ركعة في المغرب فقط، وعنه يتشهد عقب ركعتين في الكل نقلها حرب وقدمه في الرعاية الكبرى وأطلقهما ابن تميم والشارح.
وقال المصنف والشارح: الكل جائز ورده ابن رجب.انتهى.
ورجح ابن قدامة في المغني جواز الأمرين كما أشار لذلك صاحب الإنصاف، فإن جلس في أولى المقضيات أو ثانية المقضيات فالأمر واسع، وهذه عبارته كما في المغني قال رحمه الله: فصل: واختلفت الرواية في موضع الجلسة والتشهد الأول في حق من أدرك ركعة من المغرب أو الرباعية إذا قضى، فروي عن أحمد أنه إذا قام استفتح فصلى ركعتين متواليتين يقرأ في كل واحدة بالحمد لله وسورة نص عليه في رواية حرب، وفعل ذلك جندب وذلك لأنهما أول صلاته فلم يتشهد بينهما كغير المسبوق ولأن القضاء على صفة الأداء والأداء لا جلوس فيه، ولأنهما ركعتان يقرأ في كل واحدة منهما بالحمد لله وسورة فلم يجلس بينهما كالمؤداتين، والرواية الثانية أنه يقوم فيأتي بركعة يقرأ فيها بالحمد لله وسورة ثم يجلس ثم يقوم فيأتي بأخرى بالحمد لله وسورة في المغرب أو بركعتين متواليتين في الرباعية يقرأ في أولاها بالحمد لله وسورة وفي الثانية بالحمد وحدها، نقلها صالح وأبو داود والأثرم، وفعل ذلك مسروق وقال عبد الله بن مسعود كما فعل مسروق يفعل وهو قول سعيد بن المسيب فإنه روي عنه أنه قال للزهري: ما صلاة يجلس في كل ركعة منها؟ قال سعيد: هي المغرب إذا أدركت منها ركعة، ولأن الثالثة آخر صلاته فعلا فيجب أن يجلس قبلها كغير المسبوق.
وقد روى الأثرم بإسناده عن إبراهيم قال: جاء جندب ومسروق إلى المسجد وقد صلوا ركعتين من المغرب فدخلا في الصف فقرأ جندب في الركعة التي أدرك مع الإمام ولم يقرأ مسروق، فلما سلم الإمام قاما في الركعة الثانية فقرأ جندب وقرأ مسروق وجلس مسروق في الركعة الثانية وقام جندب وقرأ مسروق في الركعة الثالثة ولم يقرأ جندب، فلما قضيا الصلاة أتيا عبد الله فسألاه عن ذلك وقصا عليه القصة فقال عبد الله: كما فعل مسروق يفعل وقال عبد الله: إذا أدركت ركعة من المغرب فاجلس فيهن كلهن، وأيا ما فعل من ذلك جاز إن شاء الله تعالى، ولذلك لم ينكر عبد الله على جندب فعله ولا أمره بإعادة صلاته.انتهى.
وعلى ما رجحه الموفق فلا حرج على هذا المسبوق فيما فعله وإن كان الأولى أن يتشهد في أولى المقضيات لأنه أرجح دليلا وأقوى تعليلا، ولقول ابن مسعود: كما فعل مسروق يفعل.
والله أعلم.