الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن حق الأم عظيم، وبرّها من أوجب الواجبات، كما أنّ عقوقها من أكبر الكبائر، ولا سيما إذا كان في حال ضعفها ومرضها. قال تعالى: ..إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. {الإسراء:23}.
فلا يجوز لك مقاطعة أمّك مهما أساءت إليك، والواجب عليك مداومة زيارتها وبرّها والعمل على إزالة ما يغضبها منك، والسعي في كلّ ما يرضيها ممّا لا يخالف الشرع، أمّا زوجتك فلا يجب عليها زيارة أمّك، وعليك أن تقابل إساءة أمّك بالإحسان فذلك بإذن الله يذهب الشحناء ويوجد المودة، وإذا قمت بما يجب عليك نحو أمّك من البرّ والإحسان فلا يضرّك غضبها منك أو دعاؤها عليك بغير حقّ، فمثل هذا الدعاء لا يستجاب إن شاء الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.
واعلم أنّ اتهامك لأخيك بالإفساد بينك وبين أمّك لا يجوز من غير بينة، فالأصل في المسلم السلامة، والواجب إحسان الظن به وعدم الإقدام على اتهامه إلا ببينة ظاهرة، أمّا إذا كنت على يقين من قيامه بالإفساد بينكما، فلا شكّ أنّ ذلك منكر عظيم، ومن أبغض الأمور إلى الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبرآء العيب. رواه الطبراني في الصغير والأوسط.
وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا بَلَى. قَالَ: إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ.
قال المناوي: أي التسبب في المخاصمة والمشاجرة بين اثنين أو قبيلتين بحيث يحصل بينهما فرقة أو فساد ... (فإنها الحالقة) أي الماحية للثواب المؤدية إلى العقاب. فيض القدير.
ولكن ننبهّك إلى أنّ لأخيك حقاً عليك مهما كان حاله فعليك صلته مع مداومة نصحه والدعاء له.