الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت حين تلفظّت بالطلاق في المرة الأولى قد وصل بك الغضب إلى حدٍّ أفقدك الإدراك بحيث لا تعي ما تقول فلا تقع هذه الطلقة، فإنّ الغضب الذي يفقد الإدراك يمنع وقوع الطلاق، وانظر الفتوى رقم : 1496، وأمّا إذا كان الغضب لم يصل بك إلى فقد الإدراك، فهذه الطلقة واقعة، سواء أكانت في حيض أو طهر جامعتها فيه، فإنّه وإن كان هذا الطلاق محرما وبدعة إلّا أنّ جماهير أهل العلم على وقوعه، وكونك قد تلفظت بالطلاق باللغتين العربية والإيطالية، إن كنت قصدت به التأكيد أو إفهام زوجتك فهي طلقة واحدة؛ لإن اختلاف اللفظ لا يضر في قصد التأكيد، فقد قال النووي رحمه الله في روضة الطالبين: ولو قال أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة فهو كقوله أنت طالق أنت طالق على الأصح. انتهى.
وكان قد بين قبل ذلك حكم هذه اللفظ الثاني بأنه إن قصد التأكيد وكان لم يسكت سكوت فوق سكون النفس قبل منه ادعاء التوكيد، أمّا إذا كنت قصدت بكل لفظ طلقة فهما طلقتان عند جمهورأهل العلم.
وننبّه إلى أنّ حقّ الزوج في الرجعة يكون في زمن العدة وهي ثلاث حيضات، فإذا انقضت العدة فلا يملك الزوج رجعتها إلا أن يعقد عليها عقداً جديدا، فإذا كنت راجعت زوجتك بعد انقضاء عدتها بغير عقد جديد، فهي ليست زوجة لك ولا يقع عليها طلاق ومعاشرتك لها حرام، أمّا إذا كنت قد أرجعتها قبل انقضاء عدتّها فالرجعة صحيحة، وقد لحقها ما أوقعته عليه من طلاق وأصبحت مطلقة ثلاثاً، ولا يمنع من وقوع الطلقة الثالثة كونك لم تقصد الطلاق، فإنّ صريح الطلاق يقع بغير نية، قال في الشرح الكبير ـ حنبلي: وجملة ذلك أن الصريح لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد فمتى قال أنت طالق أو مطلقة أو طلقتك وقع من غير نية بغير خلاف. الشرح الكبير لابن قدامة ـ 8 ـ 275ـ
والراجح أنّ التلفظّ بالطلاق باللغة الإيطالية لا يمنع من وقوعه ما دام باللفظ الصريح في لغتهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فَإِنَّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ يُثْبِتُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنْ اللُّغَاتِ: إذْ الْمَدَارُ عَلَى الْمَعْنَى. مجموع الفتاوى - 15 ـ449ـ
وقال الخطيب الشربيني ـ الشافعي: وترجمة ـ لفظ ـ الطلاق بالعجمية صريح على المذهب لشهرة استعمالها في معناها عند أهلها شهرة استعمال العربية عند أهلها. مغني المحتاج - 3 / 280ـ
وقال الرحيباني الحنبلي: فَمَنْ قَالَهُ أَي: بِهِشْتُمْ: لفظ الطلاق بالفارسيةعَارِفًا مَعْنَاهُ مِنْ عَرَبِيٍّ أَوْ أَعْجَمِيٍّ وَقَعَ مَا نَوَاهُ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَوَاحِدَةٌ كَصَرِيحِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ.
وعلى ذلك فقد حرمت عليك زوجتك وبانت بينونة كبرى، فلا تحلّ لك إلّا إذا تزوجّت زواجاً صحيحاً ووطئها زوجها ثم طلقّها،على أن يكون الزواج زواج رغبة وليس زواج تحليل.
وإذا كانت هذه المرأة ترغب في الإسلام فينبغي أن تجتهد في تشجيعها على ذلك وتعريفها بالمراكز الإسلامية أو الاستعانة ببعض المسلمات الصالحات في بلدها، ففي ذلك أجر عظيم، فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ. متفق عليه.
والله أعلم.