الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالغضب جماع الشر، وكثيرا ما يلحق الأذى بصاحبه وبمن حوله، وقد ورد ذم الغضب لغيرالله فهو نزغة من الشيطان تجعل الإنسان مختل التوازن غير معتدل التفكير وقد تحمله على الوقوع في المخاطر، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ: لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: لَا تَغْضَبْ.
قال ابن حجر في فتح الباري: قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى قَوْله: لَا تَغْضَب ـ اِجْتَنِبْ أَسْبَاب الْغَضَب وَلَا تَتَعَرَّض لِمَا يَجْلِبهُ وَأَمَّا نَفْس الْغَضَب فَلَا يَتَأَتَّى النَّهْي عَنْهُ لِأَنَّهُ أَمْر طَبِيعِيّ لَا يَزُول مِنْ الْجِبِلَّة، وَقَالَ غَيْره: مَا كَانَ مِنْ قَبِيل الطَّبْع الْحَيَوَانِيّ لَا يُمْكِن دَفْعه، فَلَا يَدْخُل فِي النَّهْي لِأَنَّهُ مِنْ تَكْلِيف الْمُحَال. انتهى.
وقال الباجي في شرح الموطأ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ لَا تَغْضَبْ ـ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا تُمْضِ مَا يَبْعَثُك عَلَيْهِ غَضَبُك وَامْتَنِعْ مِنْهُ وَكُفَّ عَنْهُ، وَأَمَّا نَفْسُ الْغَضَبِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ دَفْعَهُ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ. انتهى.
فالغضب قد لا يملك الإنسان دفعه، وهو لا يعتبر غالبا من أسباب الموت وليس كل من يغضب ويشتد غضبه يموت، فلا يعتبر من مات من الغضب منتحرا ولا قاتلا لنفسه، ولكنه أساء بترك دفع الغضب عن نفسه حتى تمكن منه وآذاه، وقد بينا في فتوى سابقة برقم: 50489، أن من تعاطى سبب الانتحار بغير قصد الانتحار لا يكون منتحرا، والغاضب أولى بألا يكون منتحرا، لأن الغضب وإن كان من مظان الأذى لكنه ليس من أسباب الانتحار، وقد كان البعض يغضب في وجود النبي صلى الله عليه وسلم فيكتفي بأمره بإزالة أسباب الغضب دون أن يعتبر هذا الغضب شروعا في القتل مهما ازدادت حدته.
والله أعلم.