الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما يفعله والدا زوجتك من أمرها بالعمل في الأماكن المختلطة أو البنوك الربوية، وما يطلبانه منها أيضاً من ترك الحشمة والتستر في ملبسها كل هذا حرام، وهو أمر بالإثم والعصيان ومعصية الله ورسوله، والواجب على زوجتك أن تعصيهما في ذلك كله ولا تطيع لهما أمراً، ولا يعد هذا من عقوقهما لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا شك أن ما يطلبانه منها هو صريح المعصية التي لا عذر فيها ولا تأويل.
فعليك أن تعين زوجتك على ما تريده من ترك العمل في هذه الأماكن، ولا يعد هذا منك مخالفة للشرط لأنه لم يكن هناك شرط على العمل في هذه الأماكن أصلاً -كما تقول- بل لو كان الشرط قد وقع فعلاً على العمل في هذه الأماكن فلا يجوز الوفاء به، لأنه شرط مخالف لكتاب الله وشرعه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط. رواه الطبراني والبزار. وصححه الألباني. وفي سنن الترمذي من حديث عمرو بن عوف المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً.
وننبه على أنه لو وقع شرط في العقد على عمل المرأة عملاً مباحاً لا شبهة فيه، ثم أرادات الزوجة أن تتركه لتتفرغ لشؤون بيتها فلا حرج عليها في ذلك، لأن ذلك محض حقها وقد تنازلت عنه، ولا يجوز لوالديها أن يكرهاها عليه، وإن خالفتهما في ذلك فلا تعتبر المخالفة عقوقاً.
فالواجب على أهل الزوجة أن يتقوا الله ويكفوا عن هذه الأفعال المخالفة لشرع الله سبحانه، وعليهم أن يعلموا أن ابنتهم بعد زواجها قد صار زوجها أملك بها منهم وطاعة زوجها أوجب عليها من طاعتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.
وبذلك يظهر أن ما تطلبه من زوجك من التزام الستر والحجاب، وترك التبرج والاختلاط هو الصواب بل هو الواجب المحتم الذي لا يسعك تركه عملاً بقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. {التحريم:6}.
قال العلماء: أدبوهن وعلموهن. وقال القرطبي رحمه الله: فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. انتهى.
وقال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم. الحديث رواه البخاري ومسلم.
أما عن أمر الزينة فيجوز لك أن تطلب من زوجتك أن تتزين لك بالطريقة التي ترغبها، فإن الزينة حق من حقوق الزوج على زوجته، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 32459 ولكن هذا مقيد بقيدين:
الأول: أن يكون ذلك في حدود ما أباحه الله وشرعه، والثاني: أن يكون في حدود المعروف وبقدر الوسع والطاقة بحيث لا يشق على الزوجة ولا يضر بها.
أما عن حدود طاعة زوجتك لك فقد سبق بيان ذلك مفصلاً في الفتوى رقم: 116586.
والله أعلم.