الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم ـ رحمهم الله ـ في العيوب التي يجب الإخبار بها قبل العقد، ويثبت الخيار لأحد الزوجين إن كتمها الطرف الآخر، والذي نعتقد صحته ونعتمده للفتوى من هذه الأقوال هو أن العيب المنفر الذي يؤثر على الاستمتاع أو كماله وينتفي معه مقصود النكاح من المودة والرحمة يجب الإخبار به قبل العقد، فإن كتمه أحد الأطراف ثبت للطرف الآخر الخيار، قال ابن القيم ـ رحمه الله: والصحيح أن النكاح يفسخ بجميع العيوب كسائر العقود، لأن الأصل السلامة، وكل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة فإنه يوجب الخيار. انتهى. وراجع في الفتويين رقم: 53843، ورقم: 97026، مزيد تفصيل لذلك.
والذي نراه أن هذه العيوب التي ذكرتها عن زوجتك ليست من العيوب المنفرة، فإن تساقط الشعرغير منفر ما دام الأمر لم يصل إلى حد القرع، وضمور أحد الثديين أيضا غير منفر إلا إذا كان الضمور فاحشا بحيث يعد عيبا لا يختلف فيه، وهذه الزائدة الجلدية يمكن إزالتها بجراحة يسيرة.
فاستوص بزوجتك خيرا وأمسكها فهو خير لك، فقد يجعل الله لك منها خيرا ـ سواء بولد صالح تقر به عينك أو بغير ذلك ـ واعلم أن الشرع قد ندب إلى إمساك المرأة حتى مع بغضها، فقال سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً {النساء:19}.
قال ابن العربي عند تفسيره لهذه الآية: المعنى: إن وجد الرجل في زوجته كراهية، وعنها رغبة، ومنها نفرة من غير فاحشة ولا نشوز، فليصبر على أذاها وقلة إنصافها، فربما كان ذلك خيرا له. انتهى.
وقال ابن الجوزي في هذه الآية: وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهية لها، ونبهت على معنيين: أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح، فرب مكروه عاد محمودا، ومحمود عاد مذموما، والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبا ليس فيه مكروه فليصبر على ما يكره لما يحب. انتهى.
واعلم أن في الصبر على ما تكرهه منها خيرا كبيرا في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر: 10}.
ونحذرك من الإساءة إليها أو تعييرها بشيء من ذلك، فهذا حرام لا يجوز.
ومما يحسن ذكره في هذا المقام ما قصه ابن الجوزي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه صيد الخاطر عن أحد الصالحين قال: وقد قيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرجى عملك عندك، قال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبى، فجاءتني امرأة، فقالت: يا أبا عثمان، إني قد هويتك، وأنا أسألك بالله أن تتزوجني.
فأحضرت أباها وكان فقيراً فزوجني منها وفرح بذلك، فلما دخلت إلي رأيتها عوراء عرجاء مشوهة.
وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد حفظاً لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئاً وكأني على جمر الغضا من بغضها، فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي قلبها، قلت له: فهذا عمل الرجال، وأي شيء ينفع ضجيج المبتلى بالتضجر وإظهار البغض. انتهى.
فتأمل ـ رحمك الله ـ عمل هذا الرجل وحرصه ألا يكسر قلب زوجته بشيء يسوؤها أو يجرح مشاعرها وكيف عدّ هذا العمل أرجى أعماله التي يلقى بها ربه سبحانه.
والله أعلم.