الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جاء في ـ الموسوعة العربية العالمية ـ أن إنسان نياندرتال (Neanderthal man : نموذج لإنسان ما قبل التاريخ الذي عاش في أجزاء من أوروبا وآسيا وإفريقيا من نحو 100,000 إلى 35,000عام مضت، ويطلق عليه أيضا إنسان الكهوف طبقا لحفرية إنسان الكهوف في وادي ـ نياندرتال ـ قرب دسلدورف بألمانيا، ويصنف العديد من العلماء الإنسان ـ النياندرتال ـ ضمن فرعية مبكرة من الإنسان العاقل واعتقد العلماء لزمن طويل أن الإنسان ـ النياندرتالي ـ كان أحدب، لكن الحفرية قد أظهرت أن طول هؤلاء الناس نحو 155سم، وأنهم كانوا يمشون معتدلي القامة تمامًا، وكانت لهم عظام ثقيلة، وأطراف مقوسة قليلاً، وحواف حواجب كبيرة، وأسنان قوية، وكان المخ كبيرًا مثل إنسان العصر الحاضر، لكنه يبدو أنهم كانوا يعتمدون على قوتهم البدنية بدلاً عن الاستخدام الماهر لأيديهم أو الاستخدام المبتكر للأدوات، إلا أن عظام الحيوانات التي وجدت مع حفرية الإنسان أظهرت أن ـ النياندرتاليين ـ كانوا قناصين مهرة في البيئات شبه القطبية في أوروبا وكانوا يعيشون في مأوى مؤقت بسيط عندما يتتبعون قطعان الحيوانات، ويعيشون أحيانًا في مغارات، وتظهر بقايا أحافير ـ النياندرتاليين ـ أن بعضاً منهم على الأقل، قد قاموا بدفن موتاهم بعناية كبيرة. اهـ.
وفي هذا بيان لخطإ ما جاء في السؤال في وصف هذا النوع من الجنس البشري بأن ـ شكله مختلف عن الإنسان، وكأنه قردـ فإن هذه الفروق في الحقيقة لا تعدو الفروق بين أجناس البشر المعاصرين، في الطول والقصر، والقوة والضعف، والحرف والصناعات، والتقدم والتخلف، وما إلى ذلك.
وفي العبارة الأخيرة من الكلام السابق إشارة واضحة إلى أن هذا الإنسان إنما هو من ذرية آدم الذي لم يكن ابنه قابيل يعرف كيف يواري سوءة أخيه هابيل، كما في قوله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ {المائدة: 31}.
فليس هناك أي علاقة بين وجود هذا الجنس البشري وبين النظرية الباطلة للنشوء والارتقاء ـ التطورـ وقد جاء أيضا في الموسوعة العربية: اكتشفَت أحافير زعموا أنها لأناس منقرضين كإنسان ـ بكين و إنسان جاوه و إنسان نياندرتال، وإنسان بلتداون ـ وغيرها، وكلها تدل على أن الإنسان القديم كان أقل رُقِيًا من الإنسان المعاصر، وهكذا الحال لجميع الكائنات، إذ تدل الأحافير ـ في رأي التطوريين ـ على أنها تطورت من كائنات أقل رقيا، ولكن تبين بعد التدقيق في تلك الأحافير أن الوثائق التي جمعت في هذا المجال لم تكن كافية ولا دقيقة، ويعترف داروين نفسه بهذا حين يقول: على الرغم من أهمية الأحافير دليلاً على حدوث التطور، فإن السجل الجيولوجي أشبه ما يكون بكتاب فقدت بعض صفحاته ولم يبق منه سوى صفحات قليلة متناثرة، وفي تلك الصفحات الباقية لم يبق إلا كلمات قليلة في كل صفحة. اهـ.
وقال الأستاذ هارون يحيى في كتاب التضحية عند الحيوان: سمى الداروينيون الجد الأعلى للإنسان باسم قرد الجنوب، وفي الحقيقة لم تكن هذه المخلوقات إلا نوعاً من القرود المنقرضة، وثبت ذلك علمياً عن طريق الأبحاث التي أجراها باحثان مشهوران في علم التشريح وهما الأميركي تشارلس أوكسنارد والبريطاني اللورد سوللي زوكرمان، وأثبتا أن هذا النوع من الكائنات الحية لا يمت بأية صلة للإنسان.
ويصنف دعاة التطور الجيل التالي من هذه الأحياء تحت اسم: Homo أي الإنسان، وهذا الجيل تطور عن قرد الجنوب، ويرتب هؤلاء المتحجرات الخاصة بهذا الكائن الحي في جدول زمني لعملية التطور، وهو جدول خيالي بالطبع والخيالية فيه نابعة من عدم وجود أي دليل يثبت أن هذه الأنواع نشأت وتطورت عن بعضها، واعترف بهذا الخطإ العلمي أحد أشرس المدافعين عن نظرية التطور في القرن العشرين وهو أرنست ماير قائلاً: إن السلسلة المتصلة بـهومو سابينس في حقيقتها مفقودة.
ويدعي المؤمنون بنظرية التطور أثناء تشكيلهم للسلسلة التي حلقاتها هي:
ـ أوسترالوبيثيكوس.
ـ هومو هابيليس.
ـ هومو أركتوس.
ـ هومو سابينس ـ الإنسان الحالي.
بأن كل نوع منها هو جد النوع الذي يليه، ولكن علماء المتحجرات بعد فحصهم للمتحجرات الخاصة بـهذه الأنواع اكتشفوا أن هذه الأنواع قد عاشت معا في أنحاء مختلفة من كوكب الأرض وفي نفس الفترة الزمنية.
والأدهى من ذلك أن أفراداً من نوع ـ هومو أركتوس ـ قد عاشت حتى فترات زمنية حديثة، حتى إن إنسان ـ النياندرتال ـ وإنسان ال ـ سابينس ـ الإنسان الحالي ـ قد عاشا في نفس الوسط أو البيئة جنباً إلى جنب.
وهذه الأدلة بالطبع تؤدي إلى نسف الادعاءات القائلة: بأن هذه الأنواع بعضها جد بعض.
ويتحدث ستيفن جي كوولد المتخصص في علم المتحجرات في جامعة هارفارد عن هذا المأزق العصيب الذي دخلته نظرية التطور بالرغم من كونه مؤمناً بها قائلاً:
أمامنا مشهد يصور لنا أن هناك ثلاثة أنواع مختلفة من الإنسان تعيش بموازاة بعضها، إذن فما الذي حدث لشجرة التطور الخاصة بنا؟ والواضح أن لا أحد من هذه الأنواع قد تطور من الآخر، والأبعد من ذلك عندما نجري بحث مقارنة نوعية بين هذه الأنواع لا نجد بينها أي ترابط يدل على أنها تطورت بعضها عن بعض تدريجياً.
وملخص الكلام أن النظرية الخاصة بنشوء الإنسان من مخلوق نصفه قرد ونصفه الآخر إنسان ما هي إلا نظرة خيالية مستندة إلى نوع من الدعاية المضللة لجعلها صحيحة في دنيا العلم ولكن الحقيقة أن هذه النظرية لا تستند إلى أي دليل علمي يثبت صحتها أو صحة فرضيتها.
وتوصل لهذه الحقيقة ـ اللورد سوللي زاكرمان ـ الذي أجرى أبحاثاً على متحجرات ـ أوسترالوبيثيكوس ـ ولمدة خمس عشر سنة، وهذا الباحث يعتبر من أشهر علماء المتحجرات في بريطانيا في نظرية التطور فبالرغم من إيمانه بنظرية التطور اعترف بعد أبحاثه بأنه لا توجد سلسلة تطورية تمتد من الكائنات الشبيهة بالقرود إلى إنساننا الحالي. اهـ.
فنظرية التطور أو النشوء والارتقاء نظرية باطلة من أصلها وتناقض الشرع الحنيف، كما تباين العقل الصحيح، وقد فندها علماء المسلمين وغيرهم بالأدلة العقلية فضلاً عن الأدلة النقلية، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 4755.
والله أعلم.