الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
أولاً: نسأل الله تعالى أن يحفظك ويرعاك ويقيك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقك العفة والإحصان والذرية الصالحة الطيبة.
ثانياً: لا يخفى عليك أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب، وقد جاء فيه من الوعيد العظيم ما لم يأت في غيره من الذنوب، وتوعد الله مرتكبه بالحرب، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بحلول اللعنة على آكل الربا وموكله، وفي ذلك ترهيب عظيم من الوقوع في هذا المنكر، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:279}.
وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء.
وقال صلى الله عليه وسلم: درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية. رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وهذا الربا الملعون فاعله لا تبيحه الحاجة إلى الزواج أو المسكن، وإنما تبيحه الضرورة، كما يباح أكل الميتة وشرب الخمر، والضرورة: هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة، بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو -أي عضو من أعضاء النفس- أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال، وتوابعها ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته دفعاً للضررعنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع. انتهى من نظرية الضرورة الشرعية.
وقال الشيخ المودودي: لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا، فإن التبذير في مجالس الزواج ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية، وكذلك شراء السيارة أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية، وكذلك ليس استجماع الكماليات أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضرورة، فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة، والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. انتهى.
فمن أشرف على الهلاك ولم يجد ما يقتاته إلا عن طريق الربا ونحو ذلك مما فيه هلكة أو مشقة بالغة لا يمكن دفعها بغير ارتكاب ذلك المحرم جاز له منه بقدر ما يزيل الضرر، والمرء فقيه نفسه، لأنه أدرى بحاله وظروفه وفي الحديث: استفت قلبك: البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. رواه أحمد والدارمي والطبراني وحسنه النووي.
والذي نراه بناء على ما ذكرت أن الضرورة المبيحة لارتكاب الحرام لا تتحقق في مسألتك، لأنك تجد البديل المباح وهو الاستئجار وإن كان مكلفاً أو مرهقاً، ويمكن التعفف بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه.
فنوصيك أخي بالصبر حتى ييسر الله لك الأمر، ويأتيك بالفرج، واعلم أن خزائنه سبحانه ملأى وأنه جعل التقوى من أسباب الرزق والعطاء، فقال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}.
والله أعلم.