الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن زوجك أولى بك من والديك وأهلك أجمعين وطاعته أوجب من طاعة والديك وإذا تعارضت طاعته مع طاعة غيره فالواجب عليك أن تقدمي طاعته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.
وعلى ذلك فالأصل في حالتك هذه أنه يلزمك الرجوع إلى بيت زوجك، بل وعليك أن تتوبي إلى الله سبحانه مما كان منك من التدليس عليه بمرض جدتك حتى تتركي بيته فهذا لا يجوز، لكن يبقى هنا أمران ينبغي التنبه لهما:
الأول: وهو أمر النفقة، فإن الزوج إذا كان لا ينفق على زوجته النفقة المعتادة التي تناسب حالهما، فإن هذا مما يبيح لها طلب الطلاق منه حتى وإن كانت عالمة بفقره قبل الزواج على ما ذهب إليه جمهور العلماء، جاء في شرح الممتع على زاد المستقنع للعثيمين: إذا تزوجها وهو معسر عالمة بعسرته، فلها أن تطالب بالنفقة على المذهب، وتقول: إما أن تطلق، وإما أن تنفق، وعلة ذلك أن نفقتها تتجدد كل يوم، فإذا أسقطت نفقة غدٍ لم تسقط، لأنها لم تملكها بعد، وإسقاط الشيء قبل وجوبه لا عبرة به. انتهى.
وجاء في أسنى المطالب في شرح روض الطالب: لو نكحته عالمة بإعساره أو رضيت بالمقام معه ثم ندمت فلها الفسخ، لأن النفقة تجب يوماً فيوما والضرر يتجدد ولا أثر لقولها رضيت بإعساره أبداً، لأنه وعد لا يلزم الوفاء به. انتهى.
وذهب ابن القيم إلى أن المرأة لا يجوز لها الفسخ بسبب إعسار الزوج سواء تزوجته عالمة بإعساره أو كان موسراً ثم طرأ عليه الإعسار، ولم يجوز لها الفسخ إلا في حالة واحدة وهي ما إذا غرها وخدعها فأظهر لها الغنى واليسار وهو بخلاف ذلك، جاء في نيل الأوطار: وذهب ابن القيم إلى التفصيل وهو إذا تزوجت به عالمة بإعساره أو كان حال الزواج موسراً ثم أعسر فلا فسخ لها، وإن كان هو الذي غرها عند الزواج بأنه موسر ثم تبين لها إعساره كان لها الفسخ. انتهى.
واختار الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ رأياً وسطاً وهو: أنه إذا تزوجته عالمة بإعساره فلا فسخ، ولكن لا يمنعها من العمل والكسب، جاء في الشرح الممتع على زاد المستقنع: ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى قول جيد يجمع بين الحقوق، فقال: ليس لها الفسخ في الحالة الثالثة ـ إذا كان موسراً ثم أعسرـ لأن هذا ليس باختياره، وفي الحالة الثانية ـ إذا تزوجته عالمة بإعساره ـ ليس لها الفسخ، لأنها دخلت على بصيرة ولكن لا يمنعها من التكسب، لأنه إذا كان ينفق عليها له الحق أن يمنعها من التكسب، فإذا كان لا ينفق فليرخص لها في التكسب وهذا قول قوي وإليه ذهب أبو حنيفة ـ رحمه الله. انتهى.
والراجح هنا ـ والعلم عند الله ـ هو ما ذهب إليه جمهور العلماء، وعليه فإذا لم يستطع الزوج النفقة فيجوز لزوجته فسخ النكاح أو طلب الطلاق للضرر.
الثاني: أن من حق الزوجة على زوجها أن يوفر لها مسكناً مستقلاً عن أهله، على ما بيناه في الفتوى رقم: 34802، فإن لم يوفر لها هذا المسكن فمن حقها طلب الطلاق منه، وإن كان الأولى والأفضل في كل ذلك أن تلزم الصبرـ سواء عند ضيق النفقة أو عدم وجود مسكن مستقل.
والله أعلم.