الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فهذا هو التورق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا لم يكن للمشتري حاجة إلى السلعة، بل حاجته في الذهب والورِق، فيشتري السلعة؛ ليبيعها بالعين التي احتاج إليها، فإن أعاد السلعة إلى البائع، فهو الذي لا يشك في تحريمه، وإن باعها لغيره بيعًا تامًّا، ولم تعد إلى الأول بحال، فقد اختلف السلف في كراهته، ويسمونه: التورق، وكان عمر بن عبد العزيز يكرهه، ويقول: التورق أخية الربا، وإياس بن معاوية يرخّص فيه، وعن الإمام أحمد روايتان. انتهى. والمشهور: الجواز، قال في مطالب أولي النهى: ولو احتاج إنسان لنقد، فاشترى ما يساوي مائة بأكثر، كمائة وخمسين مثلًا؛ ليتوسع بثمنه، فلا بأس بذلك، نص عليه، وهي مسألة التورق.
والراجح فيه: أنه يجوز؛ لعدم ورود النص بالمنع من هذه المعاملة.
ولا يصح قياسها على العينة؛ لأن البيعتين منفصلتان، فصح التعامل بها.
لكن لا يجوز بيع السلعة لأي واحد من أصحاب المكتب المذكور، ولو كان حساب كل واحد منفصلًا عن الثاني؛ لأن إدارة الحسابات واحدة، فهي كالمال الواحد، ولأن نفس السلعة قد يشتريها متورِق آخر، فيشتريها منه صاحبها الأول، وهكذا دواليك، فهي حيلة بيّنة على الربا؛ ولذا لا بدّ لصحة تلك المعاملة أن لا تباع السلع لأصحاب المكتب المذكور.
كما أنه إذا تم توكيل المكتب في المعاملة كلها -من قبض، وبيع، وغيره-، وكان الاتفاق على ذلك قبل العقد -لفظًا، أو عرفًا-، فهو ما يسمى بالتورق المنظم، وحرّمه كثير من أهل العلم؛ لأنه حيلة على الربا، كأنه دفع إلى المتورق قرضًا بفائدة، فلا يجوز، وانظر قرار مجمع الفقه الإسلامي في تحريمه في الفتوى: 46179.
وأما القبض للبضاعة، فهو يختلف بحسبها، فمنه ما يكون القبض فيها بحيازتها، ومنها ما يكون بتخليتها، والعرف في ذلك معتبر، قال النووي في المجموع: الرجوع فيما يكون قبضًا إلى العادة، وتختلف بحسب اختلاف المال.
ولا يشترط لصحته إخراج البضاعة عن مخازن البائع، بل يكفي تمييزها، وتعيينها، فلو باعها المشتري بعد ذلك لغيره، فلا حرج، لكن يشترط ألا يكون البيع لأصحاب المكتب المذكور.
وللمزيد حول التورق وضوابطه الشرعية، انظر هاتين الفتويين: 17772، 13996.
والله أعلم.