الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان أبوك بهذه الحال التي وصفت فهو على خطر عظيم، فالواجب عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله عز وجل من هذه الكبائر والتي أعظمها خطراً ترك الصلاة، فإن الصلاة أعظم أركان الدين ولا حظ في الإسلام لمن ضيعها، وقد أجمع أهل العلم على أن من تركها جاحداً بوجوبها فإنه كافر منسلخ من دين المسلمين، وأما من تركها تكاسلاً فهو كافر أيضاً على ما ذهب إليه بعض المحققين.
لكن وقوع والدك في هذه الكبائر وظلمه لك لا يبيح لك مقاطعته أو التقصير في بره، فإن الله قد أمر بمصاحبة الوالدين بالمعروف ولو كانا مشركين يدعوان ولدهما إلى الشرك بالله والكفر به، قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان:15}.
ومن البر به أن تداوم على نصحه بالرفق والموعظة الحسنة فلا تكثر عليه من الجدال ولا تغلظ له في القول، وأن تتخير الوقت المناسب والأسلوب اللائق في تذكيره، فإذا كان في نصحك له ضرر عليك، فيمكنك أن تستعين عليه ببعض أهل العلم والخير ممن تثق فيهم فربما كان كلامهم أحظى عنده من كلامك وأكثر تأثيراً، ولا تدخر وسعاً في بذل كل سبب وطرق كل باب يذكره بالله ويخوفه من أليم عذابه، ويأخذه بيده إلى طريق الطاعة والهداية، وعليك أن تجتهد في الدعاء له بظهر الغيب فإذا قمت بما يجب عليك نحوه من البر والطاعة في المعروف، فلا يضرك غضبه عليك وعدم رضاه عنك.
وننبهك إلى أن إحسانك إليه بما تقدر عليه من الإحسان بمالك وبدنك وطاعتك له في غير معصية، أبلغ في التأثير عليه من كثير من المواعظ والمناقشات.
ونحذرك من أن تكون نظرتك لأبيك أو غيره من العصاة نظرة الاحتقار أو التعالي بل عليك أن تستشعر نعمة الله عليك في معافاتك من الوقوع في مثل هذه المعاصي فيتسع قلبك رحمة ورأفة للعصاة المذنبين، ولا ينافي ذلك إنكارك للمنكر وبغضك للمعصية.
قال ابن القيم في مشاهد الناس في المعاصي: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم. طريق الهجرتين.
فإذا كان ذلك مع عامة الناس فهو بلا شك مع الوالد أولى، وننصحك بالحرص على تقوية صلتك بربك والاجتهاد في تحصيل العلم النافع، والحرص على مخالطة المصلحين الذين يحسنون الدعوة إلى الله، ويجيدون فن تأليف القلوب لعل الله يجعلك سبباً لهداية والدك وأقاربك، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 104492.
والله أعلم.