الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا لم تتيقن من خروج المذي بل كان ذلك مجرد شك لم يلزمك الوضوء ولا تطهير المحل والثياب، فإن الأصل الطهارة وهي متيقنة فلا يزول هذا اليقين بالشك، وقد شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. متفق عليه. وانظر الفتويين: 119441، 68700.
ومن ثم فإنه لا يلزمك شيء إلا إذا حصل عندك اليقين بخروج المذي.
وأما عن الأخذ بقول المالكية في الطهارة من الأحداث التي تعسر إزالتها، فلا شك في أنهم يقولون بالعفو عما يصيب البدن أو الثوب من الحدث المستنكح، بولاً كان أو مذيا أو غائطا أو غيرها، والحدث المستنكح هو الذي يأتي كل يوم ولو مرة، فلا يجب عندهم غسله ولا يسن. ولكننا قد ناقشنا هذا القول وبينا ما نراه راجحا في المسألة في الفتوى رقم: 114820. وما ذكره هذا الشيخ من أن المذي لا يكون إلا مع الانتصاب والشهوة الكبرى ليس بمسلم، إذ الذي يخرج عند الشهوة الكبرى هو المني وليس المذي، كما أن العلماء قد بينوا صفة المذي وسبب خروجه بيانا مفصلا.
قال النووي رحمه الله: واما المذي فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوة لا بشهوة ولا دفق، ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه ويشترك الرجل والمرأة فيه. انتهى.
وقال في حاشية الروض في تعريف المذي: وهو ماء رقيق أبيض لزج، يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع، أو إرادته، أو نظر أو غير ذلك، عند فتور الشهوة بلا شهوة، وربما لا يحس بخروجه، ويخرج عند مبادئ الشهوة، ويشترك الرجل والمرأة فيه. انتهى .
فدل قوله ويخرج عند مبادئ الشهوة أن اشتداد الشهوة ليس شرطا في خروجه وكذا الانتصاب بل متى حصل اليقين بخروج المذي لزم التطهر منه والوضوء، كما أن ما ذكرته من المشقة في تطهير المذي ليس بمسلم أيضا، فإن الشرع قد خفف في حكمه فاكتفي فيه بنضح الثياب كما هو مذهب أحمد رحمه الله، وانظر الفتوى رقم: 50657. والنضح هو الرش، فلا يكون له الأثر البادي الذي يحدث معه ما ذكرته من القيل والقال، ولو فرض وقوع ذلك فإن الواجب على المسلم أن يستجيب لشرع الله تعالى ويحرص على امتثال أوامر الشرع، ما قدر على ذلك، وليس الخوف من القيل والقال عذرا يبيح ترك الطهارة الواجبة، هذا وقد بينا حكم الاختلاط في العمل بين الجنسين المشروع والممنوع في الفتوى رقم: 61092. وانظر أيضا الفتوى رقم: 122942.
والله أعلم.