الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فطلاق الغضبان إن كان لا يعقل لشدة الغضب بحيث لا يدري ما يقول فهو في حكم المجنون لارتفاع التكليف حينئذ وبالتالي فلا يلزمه طلاق، كما تقدم في الفتوى رقم: 35727.
وإن كان الغضبان يعي ما يقول فطلاقه مثل طلاق غير الغضبان، ومن المعروف عند أهل العلم أن الطلاق تعتريه أحكام الشرع الخمسة فقد يكون واجباً أو مستحباً أو مباحاً أو مكروهاً أو محرماً وتفصيل ذلك ذكره ابن قدامة في المغني قائلاً: والطلاق على خمسة أضرب: واجب، وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفيئة، وطلاق الحكمين في الشقاق، إذا رأيا ذلك.. ومكروه وهو الطلاق من غير حاجة إليه، وقال القاضي: فيه روايتان، إحداهما: أنه محرم، لأنه ضرر بنفسه وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حراماً، كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. والثانية: أنه مباح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله الطلاق. وفي لفظ: ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق. رواه أبو داود، وإنما يكون مبغضاً من غير حاجة إليه، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حلالاً، ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، فيكون مكروهاً. والثالث: مباح وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة، وسوء عشرتها، والتضرر بها من غير حصول الغرض بها. والرابع: مندوب إليه وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها، مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها أو تكون له امرأة غير عفيفة، قال أحمد: لا ينبغي له إمساكها وذلك لأن فيه نقصاً لدينه، ولا يأمن إفسادها لفراشه وإلحاقها به ولداً ليس هو منه، ولا بأس بعضلها في هذه الحال، والتضييق عليها، لتفتدي منه، قال الله تعالى: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ. ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب. ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق، وفي الحال التي تحوج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر. وأما المحظور فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة، لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ. انتهى.
والإثم يترتب على تعمد إيقاع الطلاق المحرم فقط وهو الطلاق البدعي فقط، كالطلاق في الحيض أو النفاس أو بعد طهر حصل فيه جماع ونحو ذلك، ولا إثم في غير الطلاق المحرم.
وقولك: وهل هذا الطلاق فيه إحسان كما علمنا الله تعالى. لعلك تشيرين إلى قوله تعالى: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. {البقرة:229}. والتسريح بإحسان في الآية الكريمة لا يقصد به إنشاء الطلاق بل المقصود عدم المراجعة بعد الطلاق مرتين حتى تنقضي عدة الزوجة وتصير بائناً من زوجها فيسرحها ولا يظلمها حقها.
قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. أي إذا طلقتها واحدة أو اثنتين، فأنت مخير فيها ما دامت عدتها باقية بين أن تردها إليك ناوياً الإصلاح بها والإحسان إليها، وبين أن تتركها حتى تنقضي عدتها فتبين منك وتطلق سراحها محسناً إليها، لا تظلمها من حقها شيئاً ولا تضار بها، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في ذلك أي في الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئاً. انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره أيضاً: فثبت بذلك أن قوله تعالى أو تسريح بإحسان هو تركها حتى تنقضي عدتها. انتهى.
والله أعلم.