الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما تعانين منه من آثار هذه الغيرة والحقد ثمرة من ثمرات ضعف اليقين وقلة الرضا بقضاء الله سبحانه، ولو استقر في قلبك اليقين بأن الأمور كلها بيد الله، وأن أفعاله سبحانه كلها بعلم محيط وحكمة بالغة، وأن قضاءه دائما لعبده المؤمن هو الخير ـ وإن ظهر في صورة الشر ـ وهو العطاء ـ وإن ظهر في صورة الحرمان ـ لو استقرت هذه المعاني في قلبك لما استزلك الشيطان إلى هذه الأضغان والأحقاد. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 000114953، 9803، 106294، ففيها الحديث عن الرضا بالقضاء وأثره في الحياة الهانئة السعيدة.
ثم إن ما يثير العجب أن غيرتك من هذه المرأة لم تكن بسبب سبقها لك في أمر مستحب شرعا، بل ولا مباح وإنما في أمر هو في الأصل محرم ممنوع، لأن الهجرة إلى تلك الدول والتجنس بجنسياتها ذريعة عظيمة إلى الشر وفساد الدين وضياع الأخلاق وفساد الذرية، كما بيناه في الفتوى رقم: 26795.
فتفطني ـ رحمك الله ـ لهذه المعاني وتلك الأحكام الشرعية، واتخذي من هذه المحنة سبيلا لتجديد إيمانك بالله ويقينك بحكمته وعلمه ورحمته، ودعي عنك التنافس مع الناس في أمور الدنيا، فإنه من المهلكات، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم.
واجعلي مجال تنافسك مع الخلق في أمور البر والخير، وما يقربك من الله سبحانه، قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ {المطففين : 26}.
جاء في تفسير السعدي: وَفِي ذَلِكَ: النعيم المقيم، الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله، ـ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ـ أي: يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال. انتهى.
والله أعلم.