الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهنيئا لك بالهداية، ونسأل الله جل وعلا أن يديمها عليك ويثبتك عليها.
وأما ما تجده من لذة في طلب العلم وشراء وجمع كتبه، فإن كانت تلك اللذة استبشاراً بنعمة الله تعالى وفرحاً بفضله وتطلعاً إلى قبوله، ورجاءً في ثوابه، فهذا أمر طيب، ويشمله قول النبي صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
ومما يدل على أن حصول اللذة للإنسان في التعبد والعمل الصالح لا يقدح في إخلاصه، قوله عليه الصلاة والسلام لبلال: أقم الصلاة أرحنا بها. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
أما إن كانت تلك اللذة بسبب إشباع شهوة القراءة وحب التملك والاستكثار، فهذه إنما هي حظ نفس وقضاء وطر لها.
ففي مختصر منهاج القاصدين: نتكلم الآن فيمن انبعث لقصد التقرب، ولكن امتزج بهذا الباعث باعث آخر، إما من الرياء، أو من غيره من حظوظ النفس.
ومثال ذلك، أن يصوم لينتفع بالحمية الحاصلة بالصوم مع قصد التقرب، أو يعتق عبدًا ليتخلص من مؤونته وسوء خلقه، أو يحج ليصح مزاجه بحركة السفر، أو للتخلص من شر يعرض له، أو يغزو ليمارس الحرب ويتعلم أسبابها، أو يصلى بالليل وله غرض في دفع النعاس عن نفسه ليراقب رحله أو أهله، أو يتعلم العلم ليسهل عليه طلب ما يكفيه من المال، أو يشتغل بالتدريس ليفرح بلذة الكلام، ونحو ذلك، فمتى كان باعثه التقرب إلى الله تعالى ولكن انضاف إليه خاطر من هذه الخواطر حتى صار العمل أخف عليه بسبب من هذه الأمور، فقد خرج عمله عن حد الإخلاص.
وعموما فننصحك بدوام اليقظة والمراقبة، والحذر من محبطات الأعمال، والمداومة على تصفية نيتك من الشوائب حتى تحقق الإخلاص، ولا تترك طلب العلم وإن كانت اللذه التي تجدها من النوع الثاني، وجاهد نفسك لتخليص نيتك من تلك الشوائب، فقد كان كثير من العلماء في أول طريقهم يطلبون العلم للذته ولم يزل بهم الحال حتى أصلح الله نياتهم ولذلك قالوا: طلبنا العلم لغير الله ـ أي للذته ـ فأبى العلم أن يكون إلا لله.
وفقك الله لكل خير.
والله أعلم.