الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا لم تكن قد طلقت زوجتك أكثر من مرتين ـ سواء كانتا شفويتين أو عند المأذون، وسواء حضرت أو لم تحضرـ فلك مراجعتها بعد الطلقة الثانية، وما ذكرته من عدم إمكان رجعتها في حال وقوع الطلاق المذكور بحضورها لا دليل عليه في الشرع، وإن كان قانونا خاصاً في بلد معين فلا يجعله ذلك حكماً شرعياً واجب الاتباع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالرجعة تصح بدون علم الزوجة ولا إثم في عدم إعلامها، لأن ذلك لا يجب، قال ابن قدامة في المغني: وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها بإجماع أهل العلم. انتهى.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: ولا يشترط فيها رضا المرأة، لأنها من شرائط ابتداء العقد لا من شرط البقاء، وكذا إعلامها بالرجعة ليس بشرط حتى لو لم يعلمها بالرجعة جازت، لأن الرجعة حقه على الخلوص لكونه تصرفاً في ملكه بالاستيفاء والاستدامة، فلا يشترط فيه إعلام الغير كالإجازة في الخيار، لكنه مندوب إليه ومستحب، لأنه إذا راجعها ولم يعلمها بالرجعة فمن الجائز أنها تتزوج عند مضي ثلاث حيض ظنا منها أن عدتها قد انقضت. انتهى.
لكن قد يلحقك الإثم في التقصير في حقوقها - من نفقة وكسوة ومعاشرة ونحوها- خلال تلك الأشهر التي مضت عليها وهي لا تعلم كونها في عصمة زوجها الأول الأمر الذي جعلها تعتقد كونها خلية من الأزواج ثم تُقدم على الزواج بعد انقضاء عدتها، وما ذكرته من أنها تزوجت بآخر بعد انقضاء عدتها ولم يحصل دخول فالحكم فيه أنك إن كنت قد أشهدت على رجعتها عدلين فهي باقية في عصمتك والنكاح الثاني فاسد، لأن الزوج الثاني قد تزوج ذات زوج هذا مذهب أكثر الفقهاء، قال ابن قدامة في المغني: فإذا راجعها ولم تعلم فانقضت عدتها ثم تزوجت ثم جاء وادعى أنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها وأقام البينة على ذلك ثبت أنها زوجته وأن نكاح الثاني فاسد، لأنه تزوج امرأة غيره وترد إلى الأول ـ سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل بها ـ هذا هو الصحيح وهو مذهب أكثر الفقهاء منهم الثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروي ذلك عن علي ـ رضي الله ـ عنه إلى أن قال: ولنا أن الرجعة قد صحت وتزوجت وهي زوجة الأول فلم يصح نكاحها كما لو لم يطلقها، فإذا ثبت هذا فإن كان الثاني ما دخل بها فرق بينهما وردت إلى الأول ولا شيء على الثاني، وإن كان دخل بها فلها عليه مهر المثل، لأن هذا وطء شبهة وتعتد ولا تحل للأول حتى تنقضي عدتها منه، وإن أقام البينة قبل دخول الثاني بها ردت إلى الأول بغير خلاف في المذهب وهو إحدى الروايتين عن مالك. انتهى.
وإن لم تكن لك بينة على الرجعة واعترف لك الزوجان بالرجعة رجعت إليك زوجتك أيضاً، كما هو الحال في إقامة البينة على رجعتها، قال ابن قدامة في المغني أيضاً: فأما إن لم يكن لمدعي الرجعة بينة فأنكره أحدهما لم يقبل قوله، ولكن إن أنكراه جميعاً فالنكاح صحيح في حقهما، وإن اعترفا له بالرجعة ثبتت والحكم فيه كما لو قامت به البينة سواء، وإن أقر له الزوج وحده فقد اعترف بفساد نكاحه فتبين منه وعليه مهرها إن كان بعد الدخول أو نصفه إن كان قبله، لأنه لا يصدق على المرأة في إسقاط حقها وعنه ولا تسلم المرأة إلى المدعي لأنه لا يقبل قول الزوج الثاني عليها وإنما يلزمه في حقه. انتهى.
وفي حال رجوع الزوجة إليك فقد بقي لك من عصمتها طلقة واحدة فقط، وقد علمت مما ذكر أنها لا يمكن أن ترجع لك بما ذكرت من الارتجاع إلا أن تكون لك بينة بالرجعة أو يقر لك الزوجان بها، ويتعين رفع هذه المسألة لمحكمة شرعية للنظر في مختلف حيثياتها.
والله أعلم.