الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهبة ثواب الطاعات كالقراءة ونحوها للأحياء محل خلاف بين أهل العلم، والمعتمد عند الحنابلة جواز هبة ثواب أي قربة لأي مسلم حيا كان أو ميتا.
قال في الإقناع: وكل قربة فعلها مسلم وجعل ثوابها أو بعضها كالنصف ونحوه لمسلم حي أو ميت جاز ونفعه. انتهى.
وفي المذهب وجه آخر موافق لقول الجمهور بالفرق بين الحي والميت، فينتفع الميت بثواب ما يوهب له من القرب، وأما الحي فلا.
قال المرداوي في الإنصاف: الحي في كل ما تقدم كالميت في انتفاعه بالدعاء ونحوه وكذا القراءة ونحوها قال القاضي لا نعرف رواية بالفرق بين الحي والميت. قال المجد: هذا أصح قال في الفائق هذا أظهر الوجهين وقدمه في الفروع.
وقيل لا ينتفع بذلك الحي وهو ظاهر كلام المصنف أي ابن قدامة هنا وأطلقهما ابن تميم والرعايتين والحاويين، وجزم به المصنف وغيره في حج النفل عن الحي لا ينفعه ولم يستدل له وقال ابن عقيل في المفردات القراءة ونحوها لا تصل إلى الحي. انتهى.
ورجح القول بعدم انتفاع الأحياء بسعي الأحياء العلامة ابن عثيمين رحمه الله فقال في الشرح الممتع: فإن كان ميتاً ففعل الطاعة عنه قد يكون متوجهاً؛ لأن الميت محتاج ولا يمكنه العمل، لكن إن كان حياً قادراً على أن يقوم بهذا العمل ففي ذلك نظر؛ لأنه يؤدي إلى اتكال الحي على هذا الرجل الذي تقرب إلى الله عنه، وهذا لم يعهد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، ولا عن السلف الصالح.
وإنما الذي عهد منهم هو جعل القُرَب للأموات، أما الأحياء فلم يعهد، اللهم إلا ما كان فريضة كالحج، فإن ذلك عُهد على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكن بشرط أن يكون المحجوج عنه عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله. انتهى.
وبه تعلم أن هبة ثواب قراءتك لسورة الكهف أو غيرها لأبويك الحيين أو أحدهما جائز على المعتمد عند الحنابلة، وغير جائز على الرواية الأخرى وعلى ما رجحه العلامة العثيمين وهو مذهب الجمهور ولعله أرجح إن شاء الله، وعلى كل فجعلك ثواب طاعتك لنفسك أولى، وعليك ببر والديك والإحسان إليهما وتعليمهما ما يجهلانه من أمور الدين وإرشادهما إلى ما يسهل عليهما فعله من الطاعات.
والله أعلم.