الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن الأمور المجمع على تحريمها في الإسلام الجمع بين أختين فأكثر من نسب أو رضاع، لقول الله تعالى: وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:23}.
وسواء كان هذا الجمع في عقد واحد أو كان مترتباً، بحيث عقد على إحداهما بعد الأخرى، فإن جمع بينهما في عقد واحد فسخ نكاحهما معاً، وإن عقد على إحداهما بعد الأخرى فسد نكاح الثانية فقط ويترتب المهر للمدخول بها، وإليك بعض كلام أهل العلم في تفصيل أحكام هذه المسألة، قال الباجي المالكي في المنتقي: إذا ثبت ذلك فإن الجمع بينهما بالنكاح يكون على ضربين: أحدهما: أن يجمع بينهما في عقد واحد، والثاني: أن ينكح إحداهما بعد الأخرى، فإن جمع بينهما في عقد واحد فقد قال مالك في المدونة: إن كل امرأتين يجوز له أن ينكح إحداهما بعد الأخرى لا يجوز له أن يجمع بينهما، فإن جمع بينهما في عقد واحد فإنه يفسخ نكاحه لهما جميعاً وليس له أن يحبس واحدة منهما بنى بهما أو بواحدة منهما أو لم يبن، ووجه ذلك أنه قد منع أن يجمع بينهما في عقد النكاح، فإذا انعقد نكاحهما على الوجه الممنوع به فسخ نكاحه لهما قبل البناء وبعده، لأن الفساد في العقد.
فإن أفرد كل واحدة منهما بعقد ثبت نكاح الأولى وفسخ نكاح الثانية دخل بهما أو بإحداهما كانت الأولى أو الأخرى قاله مالك في المدونة، ووجه ذلك ما احتج به من أن عقد الأولى صحيح، لأنه عري عن الفساد بالجمع بينهما، ونكاح الأخرى فاسد لما تعلق به من الجمع بين الأختين فلما اختص الفساد بنكاح الثانية وجب أن يفرد بالفسخ. انتهى.
وفي أنسى المطالب ممزوجاً بروض الطالب لزكريا الأنصاري: وحيث حرم الجمع بين امرأتين، فإن نكحهما معاً بطلتا، أي المرأتان أي نكاحهما إذ ليس تخصيص إحداهما بالبطلان أولى من الأخرى، وإلا بأن نكحهما مرتباً بطلت الثانية، أي نكاحها، لأن الجمع بها حصل، نعم إن لم يعلم عين السابق بطلا، وإن علم ثم أشتبه وجب التوقف كما في إنكاح الوليين من اثنين، فإن وطئها أي الثانية جاهلاً بالحكم استحب أن لا يطأ الأولى حتى تنقضي عدة الموطوءة. انتهى.
وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع: ولو تزوج الأختين معاً فسد نكاحهما، لأن نكاحهما حصل جمعاً بينهما في النكاح وليست إحداهما بفساد النكاح بأولى من الأخرى فيفرق بينه وبينهما، ثم إن كان قبل الدخول فلا مهر لهما ولا عدة عليهما، لأن النكاح الفاسد لا حكم له قبل الدخول، وإن كان قد دخل بهما فلكل واحدة منهما العقرـ مهر المثل ـ وعليهما العدة، لأن هذا حكم الدخول في النكاح الفاسد على ما نذكره -إن شاء الله تعالى- في موضعه، وإن تزوج إحداهما بعد الأخرى جاز نكاح الأولى، وفسد نكاح الثانية ولا يفسد نكاح الأولى لفساد نكاح الثانية، لأن الجمع حصل بنكاح الثانية فاقتصر الفساد عليه ويفرق بينه وبين الثانية، فإن كان لم يدخل بها فلا مهر ولا عدة، وإن كان دخل بها فلها المهر وعليها العدة لما بينا، ولا يجوز له أن يطأ الأولى ما لم تنقض عدة الثانية. انتهى.
هذا كله على تقدير أن المقصود هو تزوج إحدى الأخوات قبل بينونة الأخرى، وأما إذا كان المقصود السؤال عن حكم من تزوج امرأة كانت أختها زوجة له، ولكنه لم يتزوج الثانية إلا بعد تطليقه للأولى وانقضاء عدتها منه فإن ذلك لا حرج فيه.
والله أعلم.