الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلنبدأ بمحل السؤال وهو ما يتعلق ببر الوالدين فإن هذا الأمر من أوجب الواجبات على الولد حيث عظم الله تعالى من حقهما عليه وقرنه بحقه فقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. {لقمان:14}. فيبقى هذا الحق ثابتا لهما كيفما كان حالهما تجاهك من الإساءة.
ونوصيك بالصبر عليهما والاجتهاد في مداراتهما وصلتهما بما يمكن من الزيارة أو الاتصال عليهما أو الإهداء لهما ونحو ذلك، وإن كنت تتضرر من كثرة زيارتهما فلا بأس بتقليلها.
وأما أمر الإنفاق فلا يلزمك شرعا الإنفاق عليهما ما داما غير محتاجين، ولا يلزمك أيضا الإنفاق على إخوتك خاصة وأنك ذكرت أنهم ينفقون الأموال في الترف والبذخ، ولا يلزمك طاعة والديك فيما يلحقك منه ضرر كأمرهما إياك بالإنفاق على إخوتك، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين، وليس من المعروف أن يأمر الوالدان ولدهما بما فيه ضرر عليه.
وقد سبقت لنا عدة فتاوى في ضوابط بر الوالدين فراجع منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 59104، 66431،76381 وإذا غضب منك والداك بغير وجه حق فلا يعتبر ذلك عقوقا منك لهما.
وما حصل لإخوتك من أمر التدليل فهو نتيجة لعدم اعتدال الوالدين في أمر التربية، وما يحدث من هؤلاء الأولاد من حياة الترف ومحاولة الاعتماد على الغير فمن الحصاد المر لما زرعه أبواك، والأغرب في الأمر أن يستمر والداك في محاولة تدليلهم وإصرارهم على إنفاقك عليهم.
فنوصيك أيضا بالصبر على إخوتك، وإن كنت تصلهم وهم يقطعونك فأنت السابق للخير، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وإن أمكنك مناصحتهم بطريق مباشر من باب الشفقة عليهم فافعل، ويمكنك أن تستعين ببعض العقلاء من أهلك كالأعمام والأخوال وغيرهم من الفضلاء في محاولة الإصلاح، ولا تنس أن تكثر من دعاء الله تعالى.
وأما زوجتك فلا يلزمها شرعا أن تصل إخوتك أو زوجاتهم إن لم يكن بينها وبينهم رحم، وعلى فرض وجود الرحم فيجوز لك منعها من زيارتهم ويجوز لها هي الامتناع من زيارتهم إن كانت تتأذى بهذه الزيارة.
والله أعلم.