الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ندري أيها السائل، ما الذي يحملك على العيش في هذه المعيشة الضنك الموحشة؟ خصوصا وأنت تعلم علم اليقين سبب ما أنت فيه من البلوى والشقاء وتعلم العلاج الشافي والدواء الناجع, ولكن قعدت بك همتك وخانتك عزيمتك عن اللحاق بركب التائبين العابدين.
فبادر ـ رحمك الله ـ إلى مجاهدة نفسك واعلم أن مجاهدة النفس هي النجاة لك ـ بإذن الله ـ مما أنت فيه من بلاء واعلم أن الأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة أكثرها مكتسب، فقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن أبى الدرداء قال: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه.
وعلاج ما أنت فيه يكون بأمور: أولا: أن تتوب إلى الله توبة صادقة وتندم على تفريطك في حقه سبحانه وتعزم على الإقلاع عن هذه المعصية، ومن تاب تاب الله عليه, وراجع شروط التوبة في الفتوى رقم: 5450 .
ثانيا: أن تشغل وقتك بطاعة الله، وكثرة ذكره سبحانه وتعالى، فبطاعة الله يحيا المرء حياة طيبة، ومن كان مع الله كان الله معه، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل: 97}.
وقال تعالى: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى{طه: 123}.
وبذكر الله يعمر القلب ويطمئن.
قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ {البقرة: 152}.
وفي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة. متفق عليه.
ثالثا: سد المنافذ والأبواب الموصلة إلى تلك الفواحش، ويكون ذلك بغض البصرعن النساء والمردان وعدم الخلوة بهم، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ{النور: 30}.
وعليك أن تبتعد كل البعد عما يثير الشهوة ويهيجها من تلك الوسائل الشيطانية من الصور الخليعة والمواقع الإباحية ونحو ذلك.
رابعا: عليك بالزواج، فالزواج وسيلة ناجعة لعلاج المشكلات الجنسية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه.
فالمرء روح وجسد، وقد شرع الله من الأحكام ما يرتفع بالروح والجسد إلى أسمى مراتب الفضيلة، ولذا شرع الزواج، وجعل مجامعة الرجل لأهله صدقة، قال صلى الله عليه وسلم: وفي بضع أحدكم صدقة. رواه مسلم.
خامسا: عليك بالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، والانكسار أمام الخالق سبحانه، فإن الله سبحانه وعد بقبول الدعاء، خصوصا دعاء المضطرين، فقال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ {البقرة:186}.
وقال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}.
وقال عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ {النمل : 62}.
سادسا: عليك بزيارة القبور وتذكر الموتى، وتخيل نفسك وأنت في عدادهم، وقد فارقت الدنيا، وتركت لذاتها وشهواتها، وفني كل ذلك وبقي الإثم والحسرات.
وفي النهاية نذكرك بحرمة ما تفعله من التجسس على أبيك وتتبع عوراته، فهذا حرام في حق عموم المسلمين وهو في حق الوالدين أشد حرمة, قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12}.
وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته. رواه البيهقي في الشعب، وأبو يعلى في مسنده.
وراجع حرمة الانتحار في الفتوى رقم: 10397 .
وننصحك أيضا بمراسلة قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.