الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمعتمد في المذاهب الأربعة أن من رأت الدم لتسع سنين فهي حائض، فإن أقل سن الحيض عندهم هو تسع سنين هجرية، فمن رأت بعد بلوغها التسع أوقبلها بوقت يسيردما يصلح أن يكون حيضا وهو: ما تجاوزأقل الحيض وهو يوم وليلة ولم يعبرأكثره وهو خمسة عشر يوما وليلة فهذا الدم حيض يجب عليها فيه ما يجب على الحائض من ترك الصوم والصلاة ويثبت به بلوغها وتأمر بقضاء الصوم وجوبا، وهذه بعض نصوصهم الدالة على ما ذكرناه، قال الكاساني من الحنفية: وَأَمَّا وَقْتُهُ فَوَقْتُهُ حين تَبْلُغُ الْمَرْأَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَصَاعِدًاعليه أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَلَا يَكُونُ الْمَرْئِيُّ فِيمَا دُونَهُ حَيْضًا وإذا بَلَغَتْ تِسْعًا كان حَيْضًا إلَى أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ. انتهى.
وقال الحطاب من المالكية: وقال البساطي: اختلف في انتهاء الصغر فقيل تسع وقيل بأولها وقيل بوسطها وقيل بآخرها. انتهى.
وقال الشيرازي من الشافعية: أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين، قال الشافعي ـ رحمه الله: أعجل من سمعت من النساء تحيض نساء تهامة يحضن لتسع سنين، فإذا رأت الدم لدون ذلك فهو دم فساد ولا تتعلق به أحكام الحيض.
وقال ابن قدامة من الحنابلة: وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين. انتهى.
وبه يتبين لك أن هذا الدم الأسود الذي رأيته بعد بلوغك تسع سنين هو دم حيض ثبت به بلوغك ووجب عليك به الصوم والصلاة، وكان الواجب عليك حين رأيت الدم هو الواجب على المبتدأة من الجلوس مدة الدم ما دامت تصلح أن تعد حيضا، ثم تغتسلين بعد انقطاع الدم وتصلين ولك بعد ذلك جميع أحكام البالغات، جاء في الروض المربع مع حاشيته لابن قاسم: والمبتدأة: أي في زمن يمكن أن يكون حيضا بعد تسع سنين فأكثرعلى القول به سواء ابتدئت بدم أسود أو أحمر أو صفرة أو كدرة وفاقا، وهي التي رأت الدم ولم تكن حاضت تجلس أي تدع الصلاة والصيام ونحوهما بمجرد رؤيته ولو حمرة أو صفرة أو كدرة أقله أي أقل الحيض يوما وليلة ثم تغتسل لأنه آخر حيضها حكما وتصلي وتصوم أي تغتسل بعد مضي الأقل، وإن كان مع سيلان الدم، وإنما أمرناها بالعبادة احتياطا، لبراءة ذمتها، لأن الظاهرأنه حيض، هذا المذهب وعنه: تجلس أكثره وفاقا، واختاره الموفق وغيره، فلا تغتسل قبل الخمسة عشر يوما، ما لم ينقطع، وهو أظهر مما قدمه، وأظهر منه جلوسها ما لم تصر مستحاضة، لعدم وجود التحديد الشرعي، واختاره الشيخ، وهو رواية عن أحمد، وحكاه في الفروع وفاقا. انتهى بتصرف.
والواجب عليك الآن هو أن تقضي ما أفطرته من أيام في رمضان بعد بلوغك فإن لم تعلمي عددها فعليك أن تتحري وتقضي من الأيام ما يحصل لك به اليقين أوغلبة الظن ببراءة ذمتك، فإن دين الله أحق أن يقضى، وما شككت في كونك قد صمته من الأيام فالأصل أنه في ذمتك حتى يحصل اليقين ببراءة ذمتك، وانظري الفتوى رقم: 52078.
ويجب عليك عند الجمهور قضاء الصلوات التي صليتها قبل الاغتسال بنية رفع الحدث، أو بنية فعل الطهارة كالاغتسال للصلاة، لأنك إن أديت الصلاة قبل الاغتسال فقد وقعت باطلة، لافتقادها شرط الطهارة، ويرى شيخ الإسلام أنه لا قضاء عليك لكونك تركت الاغتسال جاهلة بوجوبه، ومن ترك الصلاة أو شرطا من شروطها أو ركنا من أركانها فلا يلزمه القضاء على ما ذهب إليه الشيخ، وانظري الفتويين رقم: 109981ورقم: 125226، وقول الجمهور أحوط، هذا هو حكم المسألة، فعليك أن تصبري وتجاهدي نفسك لفعل ما أمرت به وإن شق عليك، واعلمي أنك إن استعنت بالله أعانك ووفقك، واعلمي أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فاقضي هذه الصلوات وتلك الأيام حسب استطاعتك وقدر طاقتك بما لا يحصل لك به ضرر في معاشك أو بدنك، لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16}.
قال في حاشية الروض: يجب قضاء الفوائت فورا، وذلك ما لم يتضرر في بدنه، والتضررأن يلحقه مشقة، أو نقص في بدنه بضعف أوخوف أومرض أونصب أو إعياء، وهوأقل من النصب، لأن النصب هو التعب، فتسقط عنه الفورية إلى القدرة بلا ضرر، والمريض يقضيها وإن كان جالسا، ما لم يتضرر ولا يؤخرها ليصلي قائما، أو معيشة يحتاجها كفوات شيء من ماله، أو ضرر فيه، أو قطع عن معيشته، نص أحمد على نحو هذا، فيسقط الفور، ويقضيها بحيث لا يتضرر. لقوله: فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. انتهى.
والله أعلم.