الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما الشطر الأول من المقولة فصحيح؛ فإنه ينبغي على المرء أن ينظر لنفسه دائما بعين النقص، حتى لا يغتر بعمله، أو يصيبه العجب أو الكبر، وحتى يزداد من التزكية والتواضع.
قال ابن الجوزي رحمه الله: ومن تلمح خصال نفسه وذنوبها علم أنه على يقين من الذنوب والتقصير، وهو من حال غيره على شك. فالذي يحذر منه الإعجاب بالنفس، ورؤية التقدم في أحوال الآخرة، والمؤمن الحق لا يزال يحتقر نفسه. وقد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن مت ندفنك في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك.
وقد روينا: أن رجلاً من الرهبان رأى في المنام قائلاً يقول له: فلان الإسكافي خير منك، فنزل من صومعته فجاء فسأله عن عمله، فلم يذكر كبير عمله. فقيل له في المنام: عد إليه وقل له: مم صفرة وجهك؟ فعاد فسأل فقال: ما رأيت مسلماً إلا وظننته خيراً مني فقيل له: فبذاك ارتفع" (صيد الخاطر)
ولا بأس بطلب الدعاء من الغير بالضوابط المذكورة في الفتوى رقم: 122053، وإذا رد من طلب منه الدعاء بنحو ما ذكر في سؤالك، دفعا للعجب عن نفسه، فلا بأس بذلك أيضا، بل هو من احتقار النفس.
وأما الشطر الآخر من المقولة، فليس صحيحا ، إلا إذا حمل على معنى صحيح، مثل عزة المسلم وشجاعته وقوته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله وتصديه للبغاة وعدم رضاه بالظلم، ونحو ذلك من المعاني الصحيحة.
أما إذا كان المقصود بتلك المقولة التظاهر بالعظمة أمام الناس وترك التواضع، فليس بصحيح، بل التواضع مطلوب مطلقا، لكن في غير مذلة.
فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه مر في السوق وعليه حزمة من حطب فقيل له: ما يحملك على هذا وقد أغناك الله عن هذا؟ قال: أردت أن أدفع الكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "لا يدخل الجنة من في قلبه خردلة من كبر" رواه الطبراني بإسناد حسن والأصبهاني إلا أنه قال (مثقال ذرة من كبر) وحسنه الألباني
وقال الغزالي عن التواضع: اعلم أن هذا الخلق كسائر الأخلاق له طرفان وواسطة، فطرفه الذي يميل إلى الزيادة يسمى تكبرا، وطرفه الذي يميل إلى النقصان يسمى تخاسسا ومذلة، والوسط يسمى تواضعا. والمحمود أن يتواضع في غير مذلة ومن غير تخاسس؛ فإن كلا طرفي الأمور ذميم، وأحب الأمور إلى الله تعالى أوساطها، فمن يتقدم على أمثاله فهو متكبر، ومن يتأخر عنهم فهو متواضع؛ أي وضع شيئا من قدره الذي يستحقه. اهـ
وعلى ذلك فلا ينبغي إطلاق تلك المقولة.
والله أعلم.