الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز للوالد أن يدعو على ولده، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، في قوله: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم. الحديث رواه مسلم عن عبادة بن الصامت.
والظاهر أن هذا الذي يدعو به أبوكم لا يقصد حقيقة الدعاء، وإنما يجري على لسانه لفرط الغضب والحنق وهذا لا يستجاب ـ إن شاء الله ـ لقوله سبحانه: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ{يونس: 11}.
جاء في تفسير ابن كثير: يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده: أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أوأولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه - لطفا ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أولأموالهم وأولادهم بالخير والبركة والنماء ولهذا قال: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم.
أي: لو استجاب لهم كل ما دعوه به في ذلك، لأهلكهم، ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم، لا تدعواعلى أولادكم، لا تدعوا على أموالكم،لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم. انتهى بتصرف.
بل حتى وإن قصد والدكم حقيقة الدعاء، فإنه لا يستجاب له ـ إن شاء الله ـ ما دمتم أهل بر وطاعة له, وحينئذ يكون دعاؤه من باب الإثم والقطيعة, والدعاء إذا كان بإثم أو قطيعة فإنه لا يستجاب، لما ورد في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.
وهذا لا يتعارض مع الجزم المفهوم من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده.
لأن الذي يظهر ـ والعلم عند الله ـ أن هذا مخصوص بالولد العاق المغالي في عقوقه وبغيه, قال في فيض القديرعند شرح هذا الحديث: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا أوعاقا غاليا في العقوق لا يرجى بره. انتهى.
والله أعلم.