الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الجهل بأحكام الشرع هو الذي يوقع في مثل هذا التخبط، وينشأ عنه هذه الأخطاء، ومن ثم فنحن نهيب بالمسلمين جميعا أن يجتهدوا في تعلم أحكام الشرع، وأن يسألوا أهل العلم الثقات عما أشكل عليهم، وعلى النساء خصوصا أن يجتهدن في تعلم أحكام الحيض، فإنه كثيرا ما يحدث الغلط بسبب الجهل بها.
وأما عن سؤالك فلا بد أولا من أن تعرفي بعض الأحكام المهمة التي بسبب جهلك بها نشأت عندك هذه الإشكالات، فمنها أن المرأة تعرف الطهر من الحيض بإحدى علامتين فأيتهما وجدت أولا فقد طهرت المرأة، إما الجفوف وهو أن تحتشي بقطنة أو نحوها فتخرج نقية، أو القصة البيضاء. وانظري للفائدة في هذه المسألة الفتوى رقم: 69363.
ومن هذه الأحكام حكم الصفرة والكدرة، فإن العلماء قد اختلفوا في حكمها اختلافا كبيرا، والراجح المفتى به عندنا هو مذهب الحنابلة وهو: أن الصفرة والكدرة حيض في مدة العادة، وليست حيضا في غيرها، فما رأيته من صفرة وكدرة في مدة عادتك فهو حيض، وما رأيته من صفرة وكدرة خارجا عن مدة عادتك فهو استحاضة، وانظري للتفصيل الفتوى رقم: 117502.
ومن هذه الأحكام التي لا بد من بيانها لك أن الدم إذا تجاوز مدة العادة فهو حيض ما لم يتجاوز خمسة عشر يوما التي هي أكثر مدة الحيض على ما هو المعتمد عندنا، وانظري الفتوى رقم: 118286.
وبناءا على ما تقدم تعلمين أن اغتسالك قبل انقطاع دم الحيض كان خطأ منك، وإن كان الدم قد تجاوز عادتك، وأنه يجب عليك قضاء الأيام التي صمتها مع وجود الحيض؛ لأن صوم الحائض غير صحيح باتفاق العلماء، وأما الكدرة التي رأيتها بعد اغتسالك فالظاهر أنها في غير مدة العادة فلا تكون حيضا على قول الحنابلة، ومن ثم فلا يلزمك قضاء الأيام التي صمتها مع وجود الكدرة وبعد انقطاع دم الحيض لأن صومك وقع صحيحا وإن لم تغتسلي، ولكن يجب عليك إعادة الصلوات التي صليتها بعد رؤية الكدرة وقبل الاغتسال الثاني لأنها وقعت غير صحيحة على ما مر.
وأما سؤالك الثاني والمتعلق بالوقت الذي كنت تغتسلين فيه، وأنك كنت لا تنتظرين الطهر، بل كنت تغتسلين مع وجود الصفرة، فاعلمي أن هذه الصفرة إن كانت في مدة العادة فهي حيض ومن ثم فغسلك غير صحيح ويجب عليك إعادة جميع الصلوات التي صليتها بعد حصول الطهر الحقيقي لأنك صليتها بغير طهارة شرعية، والله تعالى لا يقبل صلاة بغير طهور، وعند بعض العلماء أنه لا يلزمك القضاء لجهلك بالحكم وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وانظري الفتوى رقم: 109981.
وأما إن كانت هذه الصفرة في غير مدة العادة فليست بحيض وغسلك والحال هذه صحيح، ولا يلزمك شيء على ما أوضحناه مفصلا في الفتوى المحال عليها.
وأما عن سؤالك الثالث؛ فإن فطرك هذا اليوم كان هو الواجب عليك لأنك رأيت الصفرة في مدة العادة فيكون لها حكم الحيض، ومن ثم فقد وجب عليك صيام ثمانية أيام، فإذا كنت قد قضيت الأيام الثمانية وبيت نية القضاء لكل يوم من الليل فقد برئت ذمتك ولا شيء عليك، وأما إن كنت صمت من غير تبييت نية القضاء فلا بد من إعادة صوم هذا اليوم لأن تبييت النية شرط في صحة صوم الفريضة، هذا ونرجو ألا يكون عليك إثم في شيء مما ذكرت لجهلك بأحكام الشرع. ولكننا نوصيك بالاجتهاد في طلب العلم وتحري ما يجب عليك فعله لتعبدي الله على بصيرة.
والله أعلم.