الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يصح أن يقال إن أقوال الفقهاء قائمة على التشديد وإيقاع الإنسان في الحرج، وإن وجد شيء من ذلك في قول بعضهم فلا يصح أن يقال ذلك بإطلاق. وإذا اتفقت أقوال الفقهاء على قول واحد فهذا دليل على أن هذا هو حكم الشرع ولا عبرة برأي من يراه تشددا، وإذا لم يؤخذ بأقوال الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية فبقول من نأخذ ؟
وأحاديث المذي جاء فيها الأمر بالوضوء وبغسل الذكر أو بنضحه، وهذا ليس من جعبة الفقهاء، بل هو قول خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام حيث قال في رواية: تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ. وفي أخرى:يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ. وفي ثالثة: فِيهِ الْوُضُوءُ. وفي رابعة: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ. وفي خامسة: تَوَضَّأْ وَ انْضَحْ فَرْجَكَ. وكذا استخدام المناديل والحفاظات ليس تشددا بل أمر دلت عليه السنة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم حمنة بنت جحش لما استحيضت حيضة كثيرة شديدة أمرها أن تتلجم وتتحفظ فهل هذا تشدد؟! كلا، لأن هذا في المقدور. والأمر بغسل الفرج ليس كما زعم السائل بأنه لإذهاب الوسوسة، وإنما لنجاسة المذي، وقد ذهب الجمهور إلى نجاسته للأمر بغسل الفرج منه.
وأما حديث سهل بن حنيف لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يصيب ثوبه من المذي. فقال له: يَكْفِيكَ بِأَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهَا مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ. رواه أبو داوود. فهذا ليس لدفع الوسوسة بل الظاهر أنه لتطهير المحل لقوله: حيث ترى أنه أصابه.
وكذا الودي نجس وناقض للوضوء باتفاق فيلزم التطهر منه، ومن كان مصابا بمثل ما أنت مصاب به واحتاج إلى وقت لينقطع الخارج فإنه يجب عليه أن ينتظر ولا يصلي بنجاسته حتى وإن فاتت صلاة الجماعة، وهو غير مطالب بالجماعة حينئذ، وانظر الفتويين:115546، 51959. ومنهما تعلم أن كثيرا من الفقهاء يسروا على الناس وفق ضوابط الشرع ولم يتشددوا كما قلت .
والله أعلم.