الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد علمنا أن البسترة: هي طريقة لتعقيم العصير من الجراثيم و تعتمد على رفع درجة حرارة العصير إلى درجة عالية جداً ثم خفضه فجأة إلى درجة منخفضة جداً ثم رفع درجة الحرارة مرة أخرى وهكذا، ومن الناس من يقول إن البسترة تقوم بقتل الكائنات الحية التي تؤدي إلى التخمر.
وعلى كل حال، فإن من المعلوم أن الشرع الحكيم قد بين أن علة تحريم الخمر هي الإسكار فحيث تحققت هذه العلة في شراب كان محرما ـ القليل منه والكثير ـ على حد سواء، روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: يا نبي الله إن أرضنا بها شراب من الشعير المزر، وشراب من العسل البتع فقال صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام.
وروى مسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام.
وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام.
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال سمعت عمر ـ رضي الله عنه ـ على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أما بعد: أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر: ما خامر العقل.
وعليه، فإذا كانت البسترة تمنع من التخمر فالعصير المذكور وغيره حلال، قال ابن قدامة في المغني: إذا غلي العصير كغليان القدر وقذف بزبده فلا خلاف في تحريمه، وإن أتت عليه ثلاثة أيام ولم يغل, فقال أصحابنا: هو حرام.
وقال أحمد: اشربه ثلاثا, ما لم يغل, فإذا أتى عليه أكثر من ثلاثة أيام, فلا تشربه.
وأكثر أهل العلم يقولون: هو مباح ما لم يغل ويسكر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشربوا في كل وعاء, ولا تشربوا مسكرا. رواه أبو داود.
ولأن علة تحريمه الشدة المطربة, وإنما ذلك في المسكر خاصة، ولنا ما روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقى الخدم أو يهراق.
وروى الشالنجي بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اشربوا العصير ثلاثا ما لم يغل.
وقال ابن عمر: اشربه ما لم يأخذه شيطانه، قيل: وفي كم يأخذه شيطانه؟ قال: في ثلاث.
ولأن الشدة تحصل في الثلاث غالبا وهي خفية تحتاج إلى ضابط, فجاز جعل الثلاث ضابطا لها.
ويحتمل أن يكون شربه فيما زاد على الثلاثة إذا لم يغل مكروها غير محرم, فإن أحمد لم يصرح بتحريمه, وقال في موضع: أكرهه وذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يشربه بعد ثلاث.
وقال أبو الخطاب: عندي أن كلام أحمد في ذلك محمول على عصير الغالب أنه يتخمر في ثلاثة أيام.هـ.
والله أعلم.