الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن بر الأم من أوجب الواجبات، كما أن عقوقها من أعظم الذنوب، ومن البر بها مخاطبتها بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، كما أن زجرها وإغلاظ القول لها يعد من العقوق، فما كان منك من مخاطبة أمك بغضب وصراخك في وجهها، رغم أنا لا نرى له علاقة بموتها، إلا أنه بلا شك خطأ كبير، لكن مهما عظم ذنب العبد فإنه إذا تاب توبة نصوحاً فإن الله يقبل توبته، فلا تلتفت إلى تلك الوساوس التي تراودك بأنك متسبب في موت أمك وأشغل نفسك بتحقيق التوبة إلى الله، والاجتهاد في بر أمك بعد موتها وذلك بالدعاء لها والصدقة عنها وصلة الرحم من جهتها، واعلم أن الإنسان إذا كان حريصاً على بر والديه مجتهداً في طلب مرضاتهما ابتغاء وجه الله فإنه بعد ذلك إذا بدر منه شيء من التقصير في حقهما فإن ذلك مظنة العفو من الله، قال الله تعالى: رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء:25}.
قال القرطبي: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأساً، قال الله تعالى: إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ.
أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة، وقوله: فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا.
وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة. الجامع لأحكام القرآن.
والله أعلم.